لم يعرف العالم يوماً رسمياً للأم، قبل العام 1912، لكن صورتها ورمزيتها في الحضارات القديمة ظلت شاهدة على مكانتها الخاصة في وعي الشعوب، بوصفها من أسباب انبثاق الحياة، إذ وضعت ثقافات الأمم الغابرة وفنونها الأمهات في منزلة الأساطير، كما يظهر في نقوش وتماثيل كثيرة من التراث الإنساني.
في الإمارات، عرفنا الأم، وعشنا أيامها، منذ كانت تواجه قسوة الحياة مع أجدادنا، بعزيمة وصبر، وتكافح في تدبير معيشة أسرتها وشؤون بيتها، إلى أن أصبحت ركناً أساسياً في النهضة الاجتماعية الشاملة. عرفنا المدرسة الأولى التي علّمتنا أول المشاعر، وأول الكلمات، وأبجديات استيعاب العالم من حولنا.
عرفنا الإماراتية أمّاً، تشارك زوجها وأبناءها بناء بيتها من سعف النخيل، ومزارعة تنثر البذورَ وتحصد الغلال، وتاجرة في أسواق التوابل والأسماك، وليس ثمة دور منتج، لم تنهض به الأمهات الإماراتيات في تاريخنا الحديث، خصوصاً قبل اكتشاف النفط، والعقود التي تلت ثلاثينات القرن الماضي، بعد كساد تجارة اللؤلؤ على ضفاف الخليج العربي.
عرفنا أمهاتنا في عهد قائد عبقري، اعتبر في سبعينات القرن العشرين أن «المرأة ليست فقط نصف المجتمع من الناحية العددية، بل هي كذلك من حيث مشاركتها في مسؤولية تهيئة الأجيال الصاعدة وتربيتها تربية سليمة متكاملة». رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عرف بحكمته قدر الأمومة، فهيّأ أمام جداتنا وأمهاتنا كل سبيل يؤدي إلى الحقوق والعدالة في التعليم والعمل والتمكين الشامل.
نعيش، نحن عيال زايد، في حياة «أم الإمارات»، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، ملهمة الإماراتيات الأولى، ونتعلم منها كيف تكون الأمومة نبعاً ثرياً من العطاء والإيثار والعمل بصمت لأجل البلاد وناسها، وكيف تستطيع الأم أن تصنع مستقبل مجتمع بأكمله، وتربي أبناءها على التواضع والكرم والتسامح والطموح.
في الحادي والعشرين من مارس، نعيش في كنف أمهات فخورات بفلذات أكبادهن من الشهداء، أبطال قواتنا المسلحة. إماراتيات يملأ قلوبهن الزهو لأن أبناءهن قدموا حياتهم فداءً لعزة وطنهم وكرامة شعبه، وثمناً لنجدة الشقيق في محنته، وقد تغولت عليه ميليشيات التآمر والإرهاب.
عيدكنّ سعيد، يا أمهات الشهداء. ويا أمهات أصحاب الهمم، ويا كل النساء اللواتي يعشن الأمومة في أقصى بذلها وعاطفتها، ويعرفن أنها تضحية ونكران ذات. سنظل ممتنين للأرحام التي تشكّلت فيها كينونتنا، وللأيدي الحانية التي نقبّلها كل صباح، ولدعوات الرضى والتوفيق، ولكل تعب وألم، وكل عام والأمهات جميعاً بخير وقوة وأمل..