مركز دراسة الظواهر
في مختلف دول العالم المتقدم هناك مراكز للقياس الاجتماعي وظيفتها دراسة الظواهر الاجتماعية. ونحن اليوم في عصر الطفرات الاجتماعية التي تخرج بالسلوك الإنساني إلى فضاءات تكسر حاجز العادات والقيم المتوارثة.. والإمارات خطت خطوات حثيثة نحو التطور، فتحت أشواق الناس لتغيير الكثير من موروثاتهم القديمة، ما يجعل هذا الانعتاق حاملاً لمضادات حيوية ومحملاً بأوزار قد تكون سلبية تحتاج إلى دراسة معمقة، وقد تكون إيجابية، لابد من تكريسها.
يقول الفيلسوف المعاصر هايدجر إن الإنسانية ويقصد أوروبا تحولت من الأن سنة إلى التقنية، ما يجعل الإنسان يفقد الكثير من خصائصه التي اكتسبها بعد أن تحرر من عقود الكنيسية، وفي التقنية هناك إنجازات عظيمة على مستوى العقل وفيما يتعلق بأحلامه المستقبلية وتحقيق متطلبات حياته، ولكن في المقابل هناك الوجدان الإنساني الذي تهشم كثيراً كزجاجة رقيقة تحت ضربات الماكينة العصرية، الأمر الذي يجعله معرضاً لاختلال في السلوك ولنشوء ظواهر اجتماعية خارجة عن نص ما اعتاد عليه الإنسان.. لذلك عملت دول أوروبا على مراكز القياس الاجتماعي كمجسات علمية تقوم بسبر ما يحدث ويطرأ على المجتمع من تقلبات في الطقس السلوكي لدى الأفراد.. والإمارات اليوم رائد في مجال التقدم الخدمي ومجال التقنية الحديثة، وقد غابت الكثير من مواريث الماضي لتحل محلها أدوات تقنية حديثة، وفي تسارع مذهل في التغيير أصبح الوجدان البشري يعاني من تفكك في النسيج الاجتماعي والذي بدوره إلى حياكة قماشة جديدة لسلوك الأفراد.. اليوم مثلاً الأصدقاء والأحباء والأقرباء يتخاطبون عبر البلاك بيري عوضاً عن الزيارات والمصافحات، هذه التقنية قربت وباعدت في آن واحد، صار من السهل على الإنسان التواصل مع الآخرين، لكنه بذلك قد خسر الصلة الروحية التي يستفيد منها من خلال اللقاءات وجهاً لوجه، أو الحديث بلغة التواصل، وكم هو من سحر عظيم لهذه اللغة المشفوعة بابتسامة وبمفردات لا يمكن أن تفصح عنها آلة جامدة بدلاً عن اللسان ونحن كعرب في لساننا العربي من لغة نطقت بها السماء واستقبلها الرسل وتداولها الناس، كما هي الأمطار عندما تروي أرضاً جدباء وكما هي النخلة المظللة على رؤوس من عرتهم سياط الشمس وألهبتهم خيوطها المسننة.. نحن بحاجة إلى مخابر ومسابر تفتش عن مواقع النسيان في قلوبنا لنعرف أين نضع نحن أقدامنا حتى لا نزل ولا نخل ولا نمضي في الهفوات.
Uae88999@gmail.com