ليس في كل اختلاف خلاف؛ هناك اختلاف يعني الاتفاق الكامل والانسجام، فتناغم الأوركسترا الموسيقية رغم اختلاف الآلات والأفراد والمهارات لم يؤثر على عزفها لحناً واحداً بإيقاعات مختلفة. نختلف في طرح حتى لو تشابهت الأفكار، نختلف بإحساسنا بالأشياء حتى ولو اتفقنا عليها، حتى بالنظر نختلف وإن كانت الزاوية واحدة التي ننظر منها، الاختلاف حالة طبيعية موجودة فينا بالقدر المعقول الذي يسمح لنا باستيعاب الآخر. هناك الكثير من الأفراد، يرغبون بالانفراد وأن يكونوا خارج السرب، فيتعمدون الاختلاف بالبحث عن النقيض في الحياة حتى يتمكنوا من لفت الانتباه، أو الشعور بأنهم مختلفون عن الآخرين، وهناك العكس ممن هم متميزون عن غيرهم ويعتبرون تميزهم هذا اختلافا فيبحثون عن الصمت حتى لا يحسب عليهم التميز. لا يوجد خطأ أو صواب كوننا مختلفين، ولا الكلام أو الصمت يمكن أن يقيس مستوى الاختلاف أو الاتفاق، بل هو كيفية استيعابنا لمفهوم الاختلاف، كل منا يرى الاختلاف من منظوره الخاص وبناء على ذلك يفند سلوكات الأفراد من حوله على ما يتفق معه أو يختلف. ويجب أن نعي أن مصطلح نسخة طبق الأصل ليس وارداً بين البشر ومعظم الكائنات فحتى النعجة "دولي" لم تستطع أن تخضع لكلمة طبق الأصل، لذا أثار استنساخها سخط واستياء الكثيرين. والنباتات في الحقل تختلف فيما بينها حتى في رائحتها وألوانها. الاختلاف أوجد هذه الطبيعة الخلاقة، الاختلاف في مجمله رحمة من الخالق يقول جبران خليل جبران حيث يظهر لنا الاختلاف في كلماته على أنها عملية تكميلية لرؤية الأشياء: "بعضنا كالحبر وبعضنا كالورق ?فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم ولولا بياض بعضنا لكان السواد أعمى". لم نركز دائما على ما نختلف فيه مع الآخر ولا نبحث عن الاتفاق، وربما لا يوجد اختلاف بالقدر الذي يوجد به تعصب لرأي أو لفكرة ما ولكنه يصنف اختلافاً من البعض. فمنذ أن خلقنا ونحن مختلفون فلماذا يصر البعض على التطابق والنسخ؟ لما لا نقبل أنفسنا والآخرين؟ والتخلف ليس في الاختلاف والتجانس والانسجام ليس في الاتفاق بل في تقبل الآخر، الأرض تستوعبنا بكل مالنا وما علينا لم لا نستوعب بعضنا؟ فالسماء تختلف عن الأرض ولكنها بلا ظل السماء لن تكون الأرض أرضاً، قال تعالى "وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ". نختلف نتفق ثم نختلف المهم أن نعي ألا نفترق مهما اختلفنا فالجمال في ساعات الفجر الأولى والغروب، أن الشمس والقمر يظهران في السماء في وقت واحد، وهكذا يكون الاتفاق في الاختلاف جميلاً ..إذا نحن متفقون! ameena.awadh@admedia.ae