ثقافة الاعتراف بالخطأ
ارتفعت حدة صوته لإثبات صحة رأيه الذي تبين للجميع خطؤه، وبدلاً من الاعتذار والانتقال لموضوع آخر تمسك هذا الشاب المسكين برأيه الخاطئ، وظل يدافع عنه باستماتة تارة بالصوت، وتارة بالإشارة، مضيعاً بذلك وقت الجميع ومهدراً طاقته، كان يعرف أنه على خطأ ولكن الاعتراف بذلك لم يكن في ثقافته التي نشأ عليها، يهدر بذلك جهده في محاولة إثبات مواقفه الخاطئة، ولكن من قال إنك يجب أن تكون على حق دائماً؟!.
بالنسبة للبعض تبدو كلمة «آسف» مثل جبل يقف في مجرى أحبالهم الصوتية.. يعتبرون أن صورتهم المثلى يجب أن تظل دوماً ناصعة من الاعتراف بأنهم أخطأوا في أمر ما، أو في حق أحد ما، يظنون أن ارتكاب الخطأ جهل، والاعتراف به ضعف، والاعتذار عنه مهانة. فيصرون على التمادي في الخطأ أو الصمت عنه، هكذا يحتفظون «ببرستيج» العارف دوماً.
في الواقع أن قمة الجهل هي الظن بتمام المعرفة. وقمة المعرفة هي اليقين بقصور الفهم. أنت لا تكون إنساناً حضارياً كاملاً إلا حين تدرك وتؤمن بقصورك ونقصك وعيوبك. ولا تتقدم المجتمعات الإنسانية إلا حين يدرك أفرادها أن فرصة الرجوع عن خطوة خاطئة، والاعتذار عنها متاحة دوماً، وليس في ذلك ما يعيب. «الاعتراف» بالخطأ و«الاعتذار» عنه يتطلب الكثير من الوعي، والكثير من الفهم للطبيعة البشرية، وشبكة العلاقات بين البشر، والكثير من التحضر.
الإصرار على الخطأ والتعنت في التشبث به، والخجل من الاعتذار عنه، يجعل منك إنساناً مسكيناً مستحقاً للشفقة، ضعيفاً ومتصنعاً. بماذا ينفعك ذلك؟ ستظل تشعر دوماً بعدم الارتياح في جلدك الخاص. بأنك في مأزق دائم. وبحاجة دائمة لإثبات صحة موقفك. يتطلب هذا الكثير من الجهد والعناء، ويبعدك عن التركيز في إنجاز أشياء أكثر فائدة؛ كأن تقضي وقتاً في أن تسقي شجرة مثلاً، أو تلعب مع طفل، أو تطعم عصفوراً. أنشطة طبيعية كهذه ستساعدك على التصرف بطبيعتك، ولن يؤلمك حينها تحمل مسؤولية أخطائك.
نحن نتنفس حين نعتذر. نتنفس بحرية، نتصالح مع ذواتنا. نعلن أننا أقوى من خطأ عابر، أننا أكثر قدرة على احتواء الآخرين، وردود أفعالهم وتجاوز أخطائنا، أكثر صبراً وتفهماً واحتمالاً. الاعتراف بالخطأ يجعل قلوبنا أوسع، نفوسنا أصفى، عقولنا أكثر انفتاحاً، وضحكاتنا أكثر صفاء، سنضحك حين نضحك من القلب، وحين يضحك القلب ينتعش، وقلب منتعش أساس حياة مثمرة. عندما نعتذر نحن نقول، إننا أهل لتحمل المسؤولية. وإننا في الأزمات حاضرون، لن نتخلى عنك، لن نفر، لن نهرب من المواجهة، إننا مصدر ثقة، سنسند بعضنا بعضاً دوماً، سنكون هناك دوماً لأجلك وبإمكانك الاعتماد علينا. إنسان يعتذر حين يخطئ، هو إنسان تستطيع الوثوق به، وهؤلاء هم رفاق الحياة الحقيقيون.
لا تخف من أحد، لا تخجل من أحد، إذا أخطأت اعترف، لن يُنقص هذا منك، كل البشر يخطئون، وفي اعترافهم بذلك يكمن سر جمالهم. قل ببساطة وبصدق إنك «آسف»، لن يخدش هذا صورتك، على العكس سيزيدها بهاءً واكتمالاً،ت وسيرتفع منسوب معرفتك لتتقدم خطوة أخرى في طريق العارفين بالقوة الكامنة في الهشاشة الإنسانية.
Mariam_alsaedi@hotmail.com