كان موقفا صادما ومضحكا، وشر البلية ما يضحك، عندما توقفت بجواري سيارة الإسعاف على إشارة المرور ليسألني سائقها عن الاتجاه إلى المستشفى، أشفقت على المريض المحمول على متنها فلعله لا يطيق الانتظار حتى العثور على المستشفى ويفارق الحياة قبل أن يصل! في العيادة جلست أنتظر الدور، ثمة طاعنة في السن يحيطها ابنها المسن أيضا بالرعاية، وهو الذي أحضرها إلى المستشفى فكانت تنظر إليه بالامتنان، وجود تلك الأم الطاعنة وهي تسير ببطء مستندة على ابنها في المكان، أضفى عليه شيئا من القداسة، وخالجتني مشاعر الأمومة فاتصلت بوالدتي لأطمئن عليها. كان هناك أيضا شاب وزوجته يبدوان في مقتبل الحياة الزوجية، لم أعرف ما جنسيتهما فهما يرتديان زيا محليا، غير أنهما لا يتحدثان العربية، هما آسيويان حتما، لكن لم أعرف من أي دولة، غير أن كل واحد منهما أخرج مصحفا يتلوه، ويستذكر القرآن لحفظه خلال وقت الانتظار، شعرت بالامتعاض فبرغم وجود نسخة من المصحف الشريف في جهاز "الآي فون" الذي أحمله لم أفكر في القراءة، وذلك تقصير مزمن لدينا، نسأل الله المغفرة. لم أنتظر طويلا في العيادة، والحمد لله أن الضمان الصحي متوفر حتى لو كان منقوصا، غير أن احترام الوقت وتقدير ظروف المرضى ربما تكون من الأسباب التي تجعل الناس تنتقل للعلاج في المستشفيات الخاصة، ربما لأنها تضع تقديرا للناس ولوقتهم ولحالاتهم الصحية، وربما لأنهم على درجة عالية من الحرفية ولأنهم يأخذون المسألة على محمل الجد، أقول ذلك من واقع خبرة بالمستشفيات الحكومية، فمهما تطور قطاعنا الصحي الحكومي تبقى هناك أشياء لا يمكن تغييرها، أشياء مثل عقليات الموظفين وطباعهم وأخلاقهم، وتستغرب لماذا تختلف المعاملة بين القطاع الخاص والعام، ولن تجد جوابا شافيا، ولن تجد حلا فتلك من الأمراض المزمنة التي يعاني من قطاع الصحة في الدولة بدون استثناء إلا من قلة ممن رحم ربي! ما ينطبق على القطاع الصحي ينطبق تماما على القطاع التعليمي، فالناس يتجهون لتعليم أبنائهم في المدارس الخاصة حتى لو كانت تلك المدارس لا ترقى إلى المستوى المطلوب كما تشير دراسة حديثة ظهرت في دبي، غير أن الناس يبحثون عن الأفضل لأبنائهم، ولو وجدوا تعليما مثل البشر في المدارس الحكومية لما اتجهوا إلى التعليم في المدارس الخاصة حتى لو كانت "تعبانة"! ترى أين يكمن السر؟ ولماذا يكون القطاع العام مهملا والقطاع الخاص محكما؟ لماذا لا تطبق عقليات القطاع الخاص على العام حتى تعم الفائدة ونصل إلى مستويات معقولة من الخدمات! bewaice@gmail.com