كما للقمر منازل هناك مراتبٌ للعلم والثقافة وكل شيء يعود إلى أصله للتأصيل والمجد أحياناً أو لرسم خريطة تعبر عن سير مجتمعه، من هؤلاء المنظرين نيتشه، وهيغل، وكافكا، وفوكوه، وإدوارد سعيد وغيرهم كُثُر، فقد عادوا إلى جذور المعضلة وخوض تجربتها، وإعادة صياغتها لفهم تركيبتها وتأثيراتها على الثقافة. بعيداً عن السفسطة، تعريفي للثقافة يعود إلى جذور الكلمة وتعريفها في اللغة العربية فعبارة «رجل ثقف»حاذقٌ فهِم وإن قال الشجاع:«ثقفت الرمح» فهو يقصد أنه قومه. لذا فقد تبلور مفهوم الثقافة معتمداً على سرعة الفهم والبداهة والفهم والتقويم وكان لابد من مساحة يفكر ويبدع فيها المثقف في مجالات الفن والعلوم التي تُعبر عن الأعراف والتقاليد والبيئة التي انبثقت منها الذاكرة التراكمية لأي مجتمع من المجتمعات. الثقافة قيم المجتمع وخصوصياته الكامنة في مبادئ أهله وسلوكياتهم المرتبطة ببعضهم البعض وعلاقتهم بالآخر. وللفرد تُعَدُ الثقافة جذور هويته وأهم عنصر يُعبر عن انتمائه، وتميزه عن غيره مِنْ مَنْ يعيش في المجتمعات. تصب شلالات المعرفة والثقافة في مساحة شاسعة تُحددها ظروف الزمان والمكان فتنشأ تحت مسمى حضارة. وكلمة حضارة تعني الإقامة في الحضر، وهي خلاف الحياة في البادية. وعند العيش في مجتمعات مستقرة يتكون نظام يحث الإنسان على الإبداع الفني والثقافي فينشط البحث العلمي والابتكار الفني، الحال ذاته للحضارة الإسلامية في الأندلس من عام 711 إلى سقوط غرناطة 1492، لذا فإن الفن والعلم عنصران متكاملان لاتقوم أي حضارة بدونهما مهما كان الأمر. إن المفهوم الشامل للحضارة يتعلق بتوظيف ثقافة الفرد في مجتمعه وما يميز هذا المجتمع عن غيره عبر التجربة التاريخية التي تُفرز ما يميز مجموعة عن أخرى بأسلوب الحياة والقيم والملبس والأخلاق والعادات المتوارثة وتسامحها واحتوائها لمبادئ الإنسانية، وعندما تترك هذه المجتمعات أثراً في الإبداع والتميز الملموس في الفنون والآداب والعلوم تكون قد نأت بنفسها عن الدمار والتطرف، وحلقت قيادةً وشعباً في سماء الحضارة الآدمية التي تنادي بحوار الأجناس والتقارب بين الشعوب. للعارفين أقول، عندما همس سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في آذاننا بأن البيت متوحد فلا قلق، زاد في قلوبنا الاطمئنان، كما أكدت لنا مقولاته الأخرى أن نضع بصمة إيجابية على كل شيء تلامسه أيدينا وعقولنا، وأن نسعى لنجعل من صيت دولة الإمارات العربية المتحدة مثالاً يحتذى في الأخلاق والإبداع والابتكار الذي يتمكن العالم من تغيير نفسه مرتكزاً على الفضائل، والقوة الناعمة، النظر إلى المستقبل بعين المُحِبْ. هذه ثقافة الحكمة إذ أوصلتنا قيادة «عيال زايد» إلى نموذج ملموس يغير مفاهيم العالم ويرسم دروب المستقبل.