أجندات ومشاريع كبرى تطرح وتمرح وتسرح، وتفضح أصحابها وتكبح طموحات أهل المنطقة؛ لأن أصحاب هذه الأجندات يريدون أن يحولوا المنطقة إلى كرات من نار، عقائدية مللية طائفية، ويريدون أن يستفيدوا من الأوضاع المترهلة في المنطقة العربية ليجيروا هذا الضعف لصالح مصالح سياسية ملفوفة بأقمشة عقائدية، فهم اليوم يتحدثون عن المخالفين وعن الوطن القومي لفئة أو طائفة على غرار الوطن القومي لليهود.. ومن المؤسف والمخزي أن هؤلاء الذين يدعون ويرفعون راية الجهاد ضد إسرائيل، اليوم يريدون أن يتشبهوا بما يطرحه الكنيست الإسرائيلي بفرض “الدولة اليهودية” على حساب فلسطين. أطروحات خطيرة ومدمرة وسافرة في غلوائها وغليانها، مجاهرة في إغوائها وعوائها، ورغم كل ذلك، فإن أهل المنطقة العربية مشغولون في حروبهم الضروس منهمكون في الانشقاقات والاحتراقات والموت في أفران الآخرين، وخوض المعارك بالوكالة وعلى حساب مصالح أوطانهم. الذين يرفعون الصوت مطالبين بوطن قومي لطائفة ما تحت ذريعة المظلومية والقهرية، فإنهم لن يستطيعوا أن يتفوهوا بذلك، لولا أن أهل الدار ضعفوا وتضعضعوا وتفككت مفاصلهم وابتعدت فواصلهم وباتوا في حال الانهيار والاندحار، والغوص عميقاً في أعماق البحار الضحلة، والسير مشياً في شعاب مضمحلة. أصحاب النعرات والنهيق لن يرفعوا حاجباً ولن يحركوا صوتاً صاخباً يضج ويعج ويصم الآذان ويغشي الأبصار، لولا أنهم وجدوا الفرصة مواتية لأن جماعة العرب لاهون، سادرون، مغامرون في حروب داحس والغبراء. فالوطن القومي لفئة أو طائفة يعني تفتيته أكثر مما هو مفتت، وتشتيته أكثر مما هو مشتت، هذا الوطن العربي المبتلى بأعراض مرضية لا شفاء منها. الوطن القومي لفئة يعني توسع أصحاب أجندات لإعادة مجد امبراطوريات اندثرت وأصبحت جزءاً من التاريخ الاستعماري المقبور. الوطن القومي لملة تعممت بالباطنية المقيتة والحقد الدفين، يعني الفرز على أساس الملل، وحقن المنطقة بإبر نشطة للعدوانية، محفزة على الكراهية، وفي النهاية هي إعادة احتلال ما تحرر من نير العنصرية برداء طائفي أكثر شراسة وأكثر نجاسة، وأكثر نكراناً لحقوق البشر في العيش آمنين مطمئنين على أرضهم، متآخين متحابين تجمعهم القواسم المشتركة، لا تفرقهم النوايا السيئة والخفايا المبيتة. الوطن القومي لملة أو طائفة هو حساب المتغطرسين والمتزمتين، والذين يعتبرون أنفسهم جنساً آرياً منقى، مصفى لا شوائب فيه ولا خرائب. ما نتمناه وندعو إليه أبناء منطقتنا العربية أن يفيقوا من سباتهم وأن يستيقظوا من غفلتهم وأن يَصْحوا ويَصِحْوا ويصححوا مسار الأفكار، لأن الموجة عالية، والبحر “خب” وأسماك القرش كبرت وتورمت فتوحشت، ولا مجال للقوي “إذا سلمت أنا وناقتي ما عليّ من رباعي” لأن الطوفان المللي مخيف ووحدة الصف أمر لا مفر منه، ومهما بلغت من خلافات هامشية يظل الخليج العربي هو المهجة والمقلة، والمتربصون كثر.
لست متشائماً، ولكن الحق أن لا نكون طيبين إلى درجة تضييع فرص النجاة من نار المتأبطين شراً.


marafea@emi.ae