عليه العوض
ماذا يفعل كاتب العمود اليومي أمام هذه الوقائع التي يلمسها عن كثب ويتحقق منها ويتأكد من مصداقيتها، وماذا يفعل حيال كلام الناس الذي ينتقل من الهمس والغمز واللمز الى التصريح في العلن بالأسماء والمناصب والوقائع، ماذا يفعل بوعوض في هذه الحالات هل يضع أذنا من طين وأخرى من عجين كما يحلو للبعض التعامل مع الحياة، وهل على بوعوض الصمت تجنبا لصدعة الرأس، ورفقاً بالأوردة الدموية، وعطفاً على حالة القلب الذي ينهشه ضغط الدم على مدار الساعة·
كثير من الربع يقولون بوعوض كبر دماغك، وطنش تعش، وياريال بسك هالسوالف، وعلى هذه الشاكلة تأتي نصائح بعض الأصدقاء من الربع، وهؤلاء ينصحونني بكاسة كابيتشينو على كوفي شوب في أحد المولات التي يجب بحسب رأيهم أن أطالع فيها الناس فقط·
وللأسف الشديد فإن البعض يتعامل مع دوره في الحياة على طريقة دع الملك للمالك، وهؤلاء يولدون ويموتون ولم يخلد أحدهم بصمة لا بالسلب ولا بالإيجاب، يعيشون في الدنيا بلا لون ولا طعم ولا رائحة، مواقفهم سرية وآراؤهم لا يظهرونها إلا في الغرف المظلمة، وهم بألف وجه ووجه لا يشغلون أنفسهم بالهم العام، فقط يهتزون عندما تتأثر مصالحهم·
هؤلاء يرون في الهم العام عبئاً يجب على الدولة أن تحمله وحدها، ويرون في الدولة الجهة التي يجب أن توفر لهم حياة رغدة من الألف إلى الياء، هؤلاء لا يتحركون لرؤية خطأ ما ولا تهتز مشاعرهم لرؤية خلل ما بل تتساوى في عرفهم الأشياء، هؤلاء لا تشغلهم إلا أنفسهم، فهم من فصيلة أنا ومن بعدي الطوفان هؤلاء اذا دعتهم مدرسة لحضور اجتماع مجلس آباء يقولون: وشو نسوي في ها الاجتماع، وإذا وجد أحدهم ماسورة مياه يتسرب منها الماء في الطريق العام لم يكلف نفسه عناء طلب طوارئ المياه بل يلعن الظلام، ويتحفك بقصيدة من قوم: والله زمان·
بعض الناس يتعامل مع الهم العام بعدم اكتراث، وهذه مشكلته وهذه ايضاً قناعته التي يؤمن بها، ولكن ليس من قبيل القناعة أو الحق أو يدعو أحد هؤلاء الآخرين لراحة الدماغ والبال والبعد عن الهم العام، ونشر اليأس في النفوس وياريال خلي يولي، وهكذا·
نقول ذلك ونؤكد على ان متابعة الهم العام والخوض فيه ليس من قبيل الترف أو تعبئة مساحة خالية من الصحيفة، أو حتى شغل فراغ كاتب لا يجد من القضايا ما يكتبها، بل هو غير ذلك تماماً فهو من صميم العمل الوطني، ويمثل صلب المسؤولية الوطنية التي يجب على كل فرد تحملها بأمانة وشرف وتجرد ذاتي·
وعندما يكتب بوعوض فهو لا يكتب من أجل الكتابة بل يكتب وعينه وقلبه وعقله كلها مشرعة على راحة الوطن ورفاهيته وتقدمه وازدهاره، وهناك قضايا كثيرة فجرها بوعوض وغيره من الكتّاب والصحافيين وكان لهم فيها قصب السبق من خلال التنبيه لخطأ ما أو التحذير من توجه ما أو إعادة النظر في مشروع ما·
وعلى الرغم من وجود فئة تطالب بقصف الأقلام ووأد الطرح الجريء، فئة جعلت كل همها جرجرة الصحافيين إلى أقسام البوليس والنيابات والمحاكم لا لشيء إلا لتعظيم حالة الأنانية ومرض الغرور الذي تعيشه من خلال الاحساس بأنها لقنت الصحافيين درساً لن ينسوه، هؤلاء نقول لهم مرحبا بهذه الجرجرة ونحن نحترم القانون، وأول من يمتثل له، وعليه العوض في كل من يغمض عينيه عن هموم الوطن·