كان «شوابنا» الأولون في زمنهم الطيب، حين يقصدون العلاج، يقولون: «بنروح العالي» أو «بنروح مرج»، العالي قد يكون أي بلد في الشمال البعيد أو القريب، أو ربما لأنهم يركبون له الطائرات التي تسير عالياً، ويمكن أن يكون أعالي الإمارات شمالها أو غربها، أما «مرّج» فهي في الهند، والهند في ذهن الشواب قديماً تعني مدينة بومبي حيث التبضع والتجارة وطلب العلم، وتجارة اللؤلؤ، حيث سوق «بمبي» الكبير، وفيها أيضاً كل ما تشتهي النفس من «طماشه»، يقول الشاعر: «الهند نبغي، وفيها الملتقى مبيوح»، ومدينة حيدر آباد عاصمة ولاية «أندرا پراديش»، حيث كانت تعج بالخليجيين للزواج، فالغالبية السكانية مسلمة، وبعضهم يعودون لأصول قبائل عربية، وتمتاز نساؤهم بالجمال، وبكثير من العادات العربية والإسلامية، لذا ما قصرّ الشواب منهم من يرضى بواحدة، ومنهم من «يرضف الثانية، ويركتها بالثالثة»، ومنهم من كانت له في كل صيف عروس جديدة، خاصة إذا ما تسهلت مراكبهم، ولم تهبّ عليهم عاصفة، وسارت أمور البيع والشراء على خير ما يرام، وبعضهم ما يصدق «يبندر»، ورجله إلى حيدر آباد، لذا حينما كبرت قلت لابد من رؤية مدن شوابنا التي تشكل ثالوث الهوس القديم، ويجب أن أذهب لـ «مرّج»، هذه التي كانوا يتطببون فيها، ويمكثون فيها بالأشهر، ويصفونها للقريب والغريب.
في منتصف الثمانينيات ركبت سيارة من بومبي إليها، قضت يوماً بأكمله، لوعورة الطريق، وبعدها، وتعرفون سيارات الهند التي تمشي بالماء وبالبركة، رغم أن الطريق الآن لها يستغرق سبع ساعات فقط، توقفنا خلال سيرنا في مدينة بونا، ونمنا فيها ليلتنا، هذه المدينة التي تعد ثامن أكبر مدينة في الهند، وثاني كبرى مدن ولاية «مهاراشترا» بعد بومبي، ويعود تاريخ تأسيسها لعام 937 ميلادي، وكانت عاصمة لإمبراطورية «ماراتا» وفي عام 1817، ألحقت بونا بمستعمرات التاج الملكي بعد هزيمة الهنود «المارتيين» أمام الجيش البريطاني، والتي جعلها ثكنة عسكرية، ومحطة لقواته حتى استقلال الهند عام 1947، والأبنية والقواعد العسكرية التي أنشأها ما تزال تستعمل حتى اليوم من قبل الجيش الهندي، مثلها مثل الكثير من الأبنية من العهد الفيكتوري، كمحطات القطارات، ومراكز البريد، وبعض المباني الحكومية في مختلف المدن الهندية.
وصلت «مرج» وإذا بها مدينة عريقة في الطبابة، فقد اشتهرت منذ القرن الـ 19 بمستشفياتها ذات الخدمات العالية، والتخصصات المختلفة، وأخذت شهرتها لأنها أول مدينة في آسيا تجرى فيها عملية قلب مفتوح في عام 1954، وفيها اليوم أعرق كليتين للطب على مستوى الهند والعالم، وفيها أكثر من 100 مستشفى، ويرجع المؤرخون أسباب اشتهار «مرج» بالطبابة، لتعرض ولاية «مهاراشترا» في أواخر عام 1897 لوباء الطاعون، مما كثف فيها وجود المصحات والمستشفيات التبشيرية المتنقلة، المفاجأة أنه لا وجود لمدينة «مرج»، وإنما «ميراج»، ولا يخصها بما يلفظه الشواب! وغداً نكمل.