القصة القصيرة فن جذاب وحديث وهي ذات أصل غربي، وشأن القصة القصيرة هنا شأن الرواية والقصيدة والمسرحية·· وذلك لا يعنينا في شيء، فالمعول دائماً هو على الاغتناء بالآخر والقدرة على التحول والإبداع الذاتي· وإذا كانت القصة القصيرة، كما يقول أوكونر في كتابه ''الصوت المتفرد'': ''حالة خاصة نشأت مع سكنى المدن وانتشار الصحف ومحاولة الطبقة الوسطى التعبير عن نفسها'' وأنها ''صورة مكثفة لسيرة إنسانية تتميز بالتفرد والغرابة''، فإن بعضاً من نماذجها الغربية المترجمة إلى ''العربية'' تقدم مروحة واسعة تتجاوز هذا التعريف، لتطال حالات بشرية متنوعة ولحظات خاصة في الوحدة والحب والموت والسعادة والسأم والشيخوخة·· ما يجعل فن القصة القصيرة فناً قادراً على التنوع الأسلوبي والتجريبي معاً· هنا بعض مما قطفناه منها: في قصة ''السعادة'' للفرنسي ''غي دي موباسان'' (ترجمة الدكتور علي حسن تقي) حالة إمكانية أن يحب المرء ويستمر حبه إلى وقت الشيخوخة· وفي قصة ''الومضة الأخيرة في المرآة'' للفرنسي ليون فرابييه (ترجمة ريم أيوب)، حالة اللمسات الإنسانية النادرة والمتبقية بين زوجين عجوزين اضطرتهما حالة العوز في شيخوختهما لبيع أثاث المنزل الذي يمتلكانه قطعة قطعة· كانت المرأة تحس انتزاع الأشياء من أماكنها كما تنتزع قطع اللحم من جسدها· وأما هو، الزوج العجوز الذي كان قد فقد عقله وذاكرته، وبقيت له قدرة على تحريك ذراعه اليمنى ليعمل بجذب رقاص ساعة في أحد المعامل، فإنه حين وصل الأمر إلى بيع أثمن ما يملك الزوجان ''المرآة'' وزمجرت الزوجة به صائحة ''ألبير··· مرآتك الجميلة''، فإنه رفع ذراعه وقد وضعها موضع الحركة، وأطبق على الفراغ، وشرع يقوم بعمل الرقاص· يستفيد عزيز نيسين ''الكاتب التركي'' في قصته ''يا مواطني اصمدوا'' (ترجمة عبدالقادر عبادلي) من تقنية الحكواتي ''كان في قديم الزمان على هذه الأرض···'' والقصة من قصص الفنتازيا التي تصور تضخم الحشرات في دولة حائرة كيف تحكم نفسها واعتياد البشر على هذه الحشرات إلى حد اندماجهم فيها، وهم يبحثون عن باش باي (حاكم)· وفي الفوضى الأخيرة يستمر الباشبايات يصيحون ''اصمدوا يا مواطني اصمدوا'' وهي قصة رامزة للمجتمعات المتخلفة، والتسابق على كسب ديمقراطي حتى ولو كان ذلك في مجتمع مشوه ومريض· في قصة ''الموسيقي الجوال'' للقاص الجيورجي السوفياتي رينازا إينانشفيلي، ترجمة يوسف حلاق، قصة الإمساك باللحظة والحياة من خلال الكمان· وهي قصة موسيقي يأتي إلى بلاد السويد على مركب، معه كمانه وغطاء يجلس عليه ليعزف في الساحات· ''بعضهم تعلو وجهه ابتسامة بهجة، وبعضهم يستغرق عند سماعه في تفكير حزين'' ذات مرة قذف به الموج إلى المنارة، حيث قابله حارسها القاسي بلا مبالاة· قال حارس المنارة: ليس لي أحد هنا· إني وحيد تماماً· وسأله: وأنت ماذا تعمل؟ قال عازف الكمان: هذه هي آلتي التي أعمل عليها· ورفع كمانه إلى كتفه وأخذ يعزف عزفاً خافتاً وحارس المنارة ينظر إليه في دعة وسكون· عمل جيد لكي يجتمع اثنان على هذه الأرض·