عزلة الكورونا عرفتنا على أشياء كثيرة، منها استعداد دولتنا الغالية لحفظ سلامة المواطنين والمقيمين بأعلى معايير الإنسانية، كما تجلى للقاصي والداني تثمينها لقيمة الإنسان وعمله، فالحكومة على جاهزية تامة لتسيير الأعمال كافة، وضمان استمراريتها وإنجازها بكفاءة عالية، وتعلمنا من جمال هذا التعامل والتوعية المستمرة، أن الإنسان على قائمة الأعمال، لا بل من أولوياتها.
في خلوة الجمعة، أدركت أن للعمل عن بُعد أبعاداً ومعايير مطابقة للعمل قرب الأهل، دروس في العطاء والولاء والوفاء ورد الجميل تقدمها الإمارات نموذجاً للعالم، فمن يتصور أنه يخدم بلاده من بيته، وقد توافرت له جميع وسائل الراحة والترفيه الشخصية، وفي الوقت ذاته يُسند توجهات الدولة في احتواء هذا البلاء، حتى أصبحت العزلة تُمثِلُ بيت السلام. اللهم احفظ بلادي التي أنا فداء لها ولقيادتها الحكيمة، وعلينا جميعاً أن نوحد الصف والبيت والكلمة، فلا نتهاون في تطبيق التعليمات الرسمية، والبُشرى بإذن الله قريبة، علينا أن نتسابق لفعل الخير، وضمان السلامة للجميع، وهذا ما سيذكرنا التاريخ والذاكرة به لأجيالٍ قادمة.
في رواية «مائة عام من العزلة»، حكايات وأساطير مزجت الواقعية مع ضروب الخيال، وقربت المسافات والتجارب الإنسانية، وعززت تصور المشاهد في مساحاتها الفلسفية الضحلة منها والعميقة، فأصبحت لشخصيات الرواية ذوات وجود وذكريات، لقد تعامل غابرييل غارسيا ماركيز بكل بساطة وسرية مع خفايا السياسة وتراكم التاريخ، فمن يقرأ روايته يتصور العزلة التي طالما سرقها منا الوقت الذي نتفاعل معه في يومنا هذا، وكأنه فضاء لا ينتهي وشلال لا تهدأ قوته، من يقرأ رموزه الكولومبية يعي تصوره للزمن، على أنه عنصر تفاعلي لا يسير في خطٍ مستقيم، بل يدور حول نفسه في حلقة مفرغة، وكلما تلاشت الأحداث من الذاكرة أعادها الكون، ولكن في شخصياتٍ وأزمنةٍ مختلفة.
للعارفين أقول: في عزلة الكورونا أصبحنا نقرأ بوعي، وأصبح بيتنا «يلق» في كل زواياه، وأصبحنا نرمس عيالنا بشغف، ونتذكر البيت الشعبي والحجرة والمطبخ أكثر، ومواقفٌ بها السنع والأخلاق والتعاون والإيثار، ونخرفهم بالخراريف التي اكتظت بها الذاكرة، كما أصبح لدينا وقتٌ للتأمل والبحث واليقين! العزلة كرست في وعينا بجمال ما بناه وأسسه المغفورر له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كما أصبحنا أكثر يقيناً بأن القيادة الحكيمة تعزز إنسانيتنا، ببذلها جهوداً مستثناة لاحتواء هذا الوباء وتقليصه.
حفظ الله بلادي، مسقط رأسي ومرقد أجدادي ووطن الأجيال التي ستذكر يوماً أن العزلة فرصة زمنٍ لا تعوض.