فإن يرأف بك أحد، فأنت ضعيف وممتهن، ومكسور، وتحتاج إلى إعادة ترتيب ما تبعثر من أشيائك الداخلية، فإذن أنت مقيد بما لدى الآخر من قدرة على تحمل ضعفك، وما لدى الآخر من مشاعر غير أنوية، وهذه المشاعر قلما توجد لدى الناس إلا الأسوياء، وهي نادرة.
اطلب الاحترام، لتكون قوياً، ومحترماً كن في المنطقة الخضراء التي لا تملأها الأعشاب الشوكية، كن في الناحية البيضاء، كي يراك الناس بوضوح، فلا يتعثرون بك، ويدهسونك بأقدامهم.
الرأفة مهما حملت من محسنات بديعية، فهي لا بد وأن تجلب معها مشاعر الاستخفاف من قبل الآخر، ولا بد وأن تكون مشغولة بكبرياء الآخر الذي يأتيك محملاً بحثالة قاع الفنجان، ولا بد أن تتذوق مرارة بقايا ما بعد الرشفات الأولى.
الرأفة كائن مخاتل يختفي تحت الابتسامة، ذيل الأفعى، سوف تتسم مهما بدت النظرات متضامنة مع ضعفك، وهزالك، ومهما حاولت أن تتجرع الحلاوة، فهي ممزوجة بمذاق الذل والهوان.
في الاحترام تكون أنت مستقلاً، وبلا قيود، تكون كالطير خارج القفص، تكون كالفراشة تنتقي ما تشاء من عبق الورد، تكون أحلامك زاهية، لا يضببها خوف، ولا تعكرها رجفة، ولا تكدرها خفة، فأنت في الاحترام مسكون بمنطق الأشجار السامقة، محفوف بجزالة القصيدة العصماء أنت في الاحترام لا تعرقل وصولك إلى الحياة وشوشة القابعين خلف ملاءة النميمة، ولا المتربصين عند أرصفة الذم، والرجم، أنت في الاحترام لا يخشى الظهور أمام شاشة الوجود، لأنك أنت، وليس غيرك، تقود عربة الزمان بمفردك، من دون جواد أخرق، يطيح بك في حفر الاستهزاء، ومكبات النفايات القديمة.
أنت في الاحترام تشرب من ماء النهر، وليس من مسفات المستنقع، أنت في الاحترام تقطف من ثمار النخل الباسقات، وليس من صرم الأزقة المهجورة، أنت في الاحترام تمشي في المقدمة، وليس في مؤخرة القطيع، أنت في الاحترام صوتك مثل الناي لا تخربشه، حشرجة تلاشي الذات.
وأنت في الرأفة مثل ذبابة، هائمة في قعر زجاجة مغلقة، أنت في الرأفة مثل جثة تأخر دفنها، أنت مثل أضغاث أحلام، أنت مثل كوكب فرّ من فلكه، أنت بلا بمعنى، ولا ذات، ولا وجود.
أنت في الرأفة، تحتاج إلى الرأفة، ومن دونها فأنت بلا رفيف، لسان خفيف، أنت في الرأفة تحتاج إلى قدرة هائلة تنقذك من الرأفة.