ها هو مهرجان قصر الحصن يعود من جديد ليدخل عامه الثاني، معلناً أنه سيكون حدثاً ثقافياً واجتماعياً وفنياً يشيع في العاصمة أبوظبي نفحات من الدفء وحميمية المكان الأصيل والراسخ الشامخ، في وسط معالم التجديد والحداثة التي اجتاحت الكثير من أركان مدننا، إن لم يكن جلها. يأتي هذا المهرجان الذي يراد له أن يبقى ويستمر حدثاً استثنائياً في المدينة، ليؤكد أن الماضي هو كتاب تستقى منه أفكار لكتاب الحاضر وقبس من نور لرؤية المستقبل، حيث كذلك هي الحكايات والقصص تسرد وتكتب، كذلك هي تخط الخطوات نحو الأفق البعيد، الأفق المفتوح لرؤية الاختلاف، حين لا يصير الماضي عدواً يجب الانسلاخ منه، كما يفكر بعض ناقصي الخيال حين يدرك معنى الماضي بأنه رفيق لا يمكن بتره والمضي بعيداً عنه، فلا مجال للتقدم إلا بالتصالح مع القديم واستيعابه كي ندرك معنى التطور والمضي بعيداً في المستقبل، يأتي المهرجان ليكرس هذا القديم المضيء، القديم الناصع الذي مازالت لديه القدرة على أن يلهم، أن يقول ويقدم درساً جديداً في هذا الحاضر الذي يتفاخر بكل جديده المخترق كل شيء في حياة الإنسان، والذي أفقدها في نفس الوقت الكثير من القيم وجعلها مليئة بالحزن، بالكآبة والخوف والمصير مشوش الرؤية، حسب ما هو واضح ومشاهد في صفحات العالم المربك والمفزع، خاصة في منطقتنا العربية. ربما يقول قائل إن القديم هو في الأساس سبب كل الخراب في العالم، والرد على ذلك يكون بأن مثل هذا القول يعود إلى الجهل وعدم القدرة على استيعاب القديم، واعتباره جزءاً من تجربة يستقى منها الناصع القابل لشرط التواصل الإنساني والبناء. في قصر الحصن حكاية إنسان، في قصر الحصن حكاية المحبة وحكاية السياسة والحكمة، فمن هناك من ذلك الحصن الساكن على الرمال البيضاء مقابل البحر، المتوسد طمأنينة المدينة، سطرت حكايات المحبة حين امتزج شرط الرحمة والانفتاح بين القيادة والشعب، وسطرت حكايات السياسة حين امتدت جذورها عميقاً في التاريخ لتأسس دولة نهضت من أعماق الأرض، من قاع البحر ورسخت حضورها دولة تنمو شامخة مكللة بالعزة والشغف. وحكاية الحكمة حين حُفظ المكان من الشر ودفع الأخطار عنه برؤية وقرارات صائبة منذ عشرات السنين، حين لُم الشمل ووضعت الأكف في الأكف، وأعلنت الدولة. يأتي مهرجان قصر الحصن ليؤكد معنى الاعتزاز بالماضي الجميل، الماضي الذي يستحق الاحتفاء به، الماضي الذي يشكل جزءاً من الثقافة التأسيسية للمكان الإماراتي بشكله الحديث، الثقافة بمعناها المنفتح على كل المكونات الإنسانية، حيث يشكل قصر الحصن الحلقة المترابطة، غير المنفصلة عن حلقات سلسلة التطورات والتغيرات في تاريخ الدولة، وحيث يمكن تقصي الكثير من تاريخ الدولة وتطورها ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً من تاريخ قصر الحصن الذي يعود إلى 251 عاماً. لذا يكون الاحتفاء بقصر الحصن هو احتفاء بالتاريخ، بالمكان الذي فيه ومنه تشكل الفارق الكبير في سيرة الإنسان هنا. ??? مع هذه الالتفاتة الجميلة من العاصمة أبوظبي لهذا المعلم التراثي الحضاري نتمنى أيضاً من كل إمارات الدولة الالتفات إلى كل المعالم التراثية لديها، لتعيد حضورها في الحاضر ولتبقى تضيء على شيء من تاريخ الإنسان هنا، ولتكن أمكنة حميمية يركن إليها. saad.alhabshi@admedia.ae