هذا الذي يرسم بالنبض أوهامنا وأحلامنا، خساراتنا وأفراحنا، يتحكم بملامحنا ويفضحنا، وكأننا مرآته، إن تقافز بالعشق نهب راقصين، وإن انقبض بالفراق نستكين، يطرحنا في الفراش لو تلكأ قليلا في عمله، أو لو أسرع في حركته، ولا أحد يدري، هل نحن أسراه أم هو أسيرنا، نتمنى لو نحيا بدونه أحيانا، ونصلي لوجوده أحيانا أخرى. هذا القلب، هذا الموج المتكاثر المتلاطم، كم يحتضن من غرقى وكم يعانق من أحياء، يغذ النبض دائما للوصول إلى ساحل كي يتنفس ملء دمه فلا يصل، بل إنه كلما لامس الرمل يرفرف وينتفض ليتحرر من قيد الشواطئ ويرجع من جديد إلى أصدافه، هناك، يستعيد حرية البوح، لا أحد يردعه لو تمادى في تطرفه، ولا أحد يخنقه لو تعرّى لوهج اللؤلؤ القادم من أعماقه. هذا القلب، هذه المضخة في عين البعض، تمدهم بالدم والحركة، وهذه التفاحة في وجوه البعض، تمنح سماواتهم أقواس قزح، وما بين المضخة والتفاحة بون شاسع، مسافات لا تراها عين بشر، وحفرة بعمق واتساع العتمة الكالحة، فللتفاحة كينونتها، تتجدد بذرتها وترنو للخلود، وللمضخة كائناتها، تلفظهم كل لحظة من الحياة، والاخضرار معيار الجوهر دائما. ??? أيها الرفيق الذي إن قلتَ لي: “متْ”، سأموتْ، أو قلتَ: “درّبْ جناحيك وَفق التفاتة البدر” أدخلُ في لعنة الياقوت، وأفلّي الليل باحثا عن أسطورة الفينيق الذي يموت ولا يموت.. كم أنت ساديٌ ومادّيٌ ونبيلٌ وشقيٌ يا سيدي، كم أنت فاصلٌ وخالدٌ وزائلٌ وقاتل، ورغم ذاك أنت رفيقي الأبدي، لا خيار لي في صحبة الجنون فيك، وهدأة النساك فيك، فأنت عمري أناشد فيك احتيالكَ، وأخشى ضيقَ دروبِك، أهمس في أذنيك الصغيرتين: “ثرثر كثيرا لأحيا قليلا قبل انطفائك”، ولا تكترث للّغات ونحوِها وصرفها، ولا للغريبِ من المفرداتِ أو شائِعها، وأوصيك: لا تتعاطى الشعرَ، أنت لا تحتمل دهشةَ المنفى، وأوصيك: لا تتعاطى الحبَّ، أنت أضعفُ من شراعٍ ممزّق، فاقفل نوافذكَ الكثيرةَ كي تراني، ومارس هوايةَ ضخِّ الارتفاعِ والهبوط، تسلّى بأي شيء سواي، لا تكن مداي أو في مدايَ، ولا تقترح شيئا لليلي، لا تقترح أي كتاب، فكل ما قرأت من سيرتي في موضع ارتياب، ولا تقترح صورة لمطلع القصيدة، فكل ما رسمت جلّله الغياب، واربض حيث أنت في لغة السراب، وثرثر كما يفعل العاطلون في المقاهي، وزد من نميمة النساء في الظهيرة، ولا تُصَبْ بدهشة السكتة، أو خَبر الفجيعة المعتّقة، واقطع كل ما يصلك بي، ولا تتفلسف كثيرا في غفوتي، أحب أن أراك عند يقظتي ولا أراك، وإن وصلت لمنتهاك قل لي.. قبل ذاك بعام، كي أرتب الأشياء وفق إرادتي، كي أجب على سؤالٍ تافهٍ: ماذا ستفعل.. لو عادت بكَ السنوات؟ وأقضي عليك.. مثل رعشة في المنام. أنور الخطيب akhattib@yahoo.com