وشمٌ على صفحة الماء عمرك كله. وسيّان إن أبحرت شرقاً وغرباً، أو ركنت إلى سلام الزاوية، أو نتف الزمان شَعر أفكارك حتى لم يعد في صحن وهمك إلا الفراغ. وعليك أن تتجرعه لقمة لقمة ولا تشبع. وأن تخضرّ في الصحراء وحدك برغم انتماء ساقيك إلى العطش. وهناك، عندما تفتح كفّيك، ستقرأ فيهما أقدار رجلٍ ذرفته الليالي ليحصي شموعها، وجرّهُ حبل النهاية المقطوع إلى سُـدى. فانظر، وحدّق طويلاً في غاية الشمس، وسوف ترى النهار مئذنةً لليلك الطويل، وتثاؤب النجمة غمزٌ كي تظل تلاحق سرها وهو ينأى. وكي تتيقظ، عليك أن تشحذ من عروقك ما يعينك على الإغماض، وعلى الانصات للصمت، لعل الضوء يُبقي شيئاً من بصيصه على جسدك، بعد عُمرة السهر في مناجاتها. ستقول لك النجمة: أنت فلكٌ سابحٌ، فابدأ قيامك من حفرة الجرح، وسوف ترى أن زمانك الجميل يطرأ. والثقلُ الذي كان يُغرق العزيمة ويبدّلها بالوهن، يكسرُ. والحتفُ الذي ظننته مكتوباً بحجر، سرعان ما يُكشط من جدار المصير. يكفي أن تُغلق شاشة العمى، وأن تفتح النوافذ الموصدة في قلبك كي يدخل النور إلى مكامن رهبتك. وساعتئذ، ومن حيث لا تدري، ستغسل الريحُ المحبّة الشوائب التي علقت في خُطاك وسيّرتك بطيئاً وزاحفاً ومتردداً. وكل طريق ستشقّه باتجاه الحقيقة، سيقودك إلى اتساعٍ أكبر، وسترى أن الكون كله مأواك، وما من نهاية إلا إذا وقفت. وما من بداية إلا التي تكتبها بقدميك، حتى لو مشيت حافياً في عيون العاصفة. ماذا سيبقى في الأثر الذي تتركه؟ لا شيء سوى كلمة الحب حين تنطقها بفعلك، ويأتي من بعدك الشعراء ممددين على عشبها ليصبحوا أشجار ذكرى لا تزول. وما الذي سيدوم إذا قفزت حراً للحظة، ونهبت نجمة من فستان هذا الليل وأطعمتها ظلالك؟ لا شيء غير ابتهاجك باكتشاف السر البسيط لمعنى أن تعيش ممتلئاً بموسيقى الكون. حراً، حتى لو حاصرتك النار وعبست في مراياك عيونها. كرةٌ صغيرةٌ في يدك هي الأرض. فصٌ لامعٌ في خواتمك هي الشمس. فإذا خرجت لتلتقي بذاتك، اخرج بكامل زينتك. بقبعة من غيمة زرقاء، ببدلة من مطر شقيّ. كلما نتأت الصخرةُ في طريقك، رفستها بنهر. وكلما صدّ اندفاعك جبل الجليد، أذبته بقبلة، وبثثت دفأك أينما عبرت رؤاك.