خرجت القوات الأميركية من العراق بعد أن قامت الدنيا ولم تقعد لأجل إخراج “المحتل”، وبقي العراق الآن بأيدي أهله، والذين حاربوا طواحين الهواء من أجل جعل العراق بلداً ينعم بالاستقلال، فيا ترى هل سينطفئ الحريق وينجو الغريق، ويعيد العراق العريق مجده المجيد ويتصالح الإخوة الأعداء، ويصلون إلى كلمة سواء تثلج صدور الثكالى اللاتي فقدن فلذات أكبادهن من أجل حرية العراق، وتفرح الأرامل اللاتي خسرن البعول، وتسعد الماجدات اللاتي خرجن من نار العراق إلى تيه الغربة والكرب. ما يجري من عواصف ونواسف لا يبشر بخير، والاتهامات ذات الوزن الثقيل تثقل كاهل هذا البلد المجروح، وأن يتهم رجل في رأس الدولة كطارق الهاشمي نائب رئيس الدولة بالسعي إلى تفجير البرلمان، فإنه تفجير حقيقي لضغائن ومصائب خُبئت تحت الجلد السياسي لتبرز الآن بعد ذهاب الحراس من البلد ليستفرغ الكل ما أخفاه وما دسه في دواليب الأحزاب والطوائف والملل والنحل. تشققات في الجسد السياسي لا يبدو أنها سهلة، بل إن الإمعان في الإفصاح عنها يؤكد أن العراق مقبل على حرائق قد تأتي على ما تبقى من بقايا ونوايا ورزايا، والحديث عن الأقاليم يكمل سلسلة سياسة تقليم أظافر العراق الواحد، ثم زرع المخالب الحادة بكل حزب، وكل جزء وكل طائفة، ولن يفوز في النهاية غير الضاربين في حمرة الدم، المتشهين للفتك والهتك وصناعة الموت.
ما يفعله شذاذ الأفق في كل مكان من العالم، هو صناعة لثقافة جديدة لجيل جديد، يقول ألا ليت الاستعمار يعود يوماً، لأن في حضور الدولة الاستعمارية ورعاية لمصالحها السياسية والاقتصادية فإنها تخرس كل من يؤلب الفوضى ضدها، وتسكت كل من يشوش على ما جاء من أجله، الأمر الذي يجعل كل أصحاب المشاريع الخاصة يؤجلون مشاريعهم إلى أن تحين الفرصة السانحة ومن ثم يخرج كل واحد من قمقمه ليصرخ بالصوت العالي قائلاً أنا هنا، وبيدي مشرط التفتيت واختزال الوطن إلى أوطان. كنا نتمنى أن نحتفل مع العراقيين بدخولهم مرحلة جديدة في تاريخهم المعاصر، وكنا نتمنى أن يخرج عاقل ليقول تعالوا لنضع أيدينا يداً بيد، ونقف كتفاً بكتف لنحمي مصالح بلدنا، ونحفظ كرامته وسيادته، وننظر جميعاً إلى المستقبل ونطوي الصفحات السوداء كطي السجل، لأن العراق كنز حضاري وثقافي قادر على النهوض وبجدارة لو اجتمعت الإرادة، وصدقت نية الذين يقودون مسيرته وتعافوا جميعاً من أحلام الطائفة الضيقة ليصيروا جميعاً من طائفة العراق الواحد القوي، السليم السالم، الأمين الآمن، الحليم الحالم، بغد يشرق في عيون نسائه وأطفاله ورجاله، فاتحاً جامعاته للدرس العلمي لا للدروس المذهبية التي لا تفيد صديقاً ولا تهزم عدواً.


marafea@emi.ae