على تلة خفيضة بين العشب، وتحت جذوع الشجر العملاق، تغط القطط والكلاب في سلام وأمن، في مدافن مسقوفة بمربعات الرخام، وعليها أرخ اليوم الذي ودعت فيه هذه الحيوانات عالمنا.
إيماناً من الناس هناك في هذا البلد الوديع، بوحدة الوجود، واحترام الكائنات جميعاً، كونها تشاركنا الحياة على الأرض، وهي جزء من مكونات التاريخ الإنساني.
عندما تتأمل المكان، والهدوء المخيم على الأرواح التي غادرتنا إلى العالم الآخر، تشعر بالخيط الرفيع الذي يطوق عنق الوجود، وكأنه خيط حبات المسبحة، وأن الكائنات التي تهجع تحت الأرض، كان لها علاقة ربط حميمية مع البشر، فلا تستغرب كيف يعيش هؤلاء الناس، وقد خلفوا وراءهم حقباً من الزمن توارت تحت حزم ثقافية، استطاعت خلال هذه المدد أن تشفي الوجدان من علل الفوارق، وأن تحمي القلب من ضغائن الكره والاحتقان، تشعر أن ما يحدث شيء من الخلق والإبداع البشري، في صياغة الحياة على أساس المحبة والانتماء إلى روح الوحدة الكلية، ليس بين البشر فحسب، وإنما بين سائر الخلق، ما يجعل الحياة بينهم تمضي كالنهر، صافية ومتعافية من درن الحساسية الشعورية. واقع إنساني مزدهر وملفت، ويقدم درساً في التعاطف والانسجام والاحترام لكل روح خلقها الله، لا لأن تسحق تحت عجلات السيارات في الشوارع، ولا أن تداس بالأقدام، بل هي مكرمة في حياتها وفي فنائها، وهذا يعني أن الكراهية لا تقسم على اثنين، فمن يحترم الحيوان، كمن يحترم الإنسان، والمسألة خاضعة للثقافة وللفكر، وحيثما تحترم الحيوان فسوف تحترم الإنسان، والحب لا يعرقله إلا التصنيف، ولا يعزله عن الواقع إلا الاستخفاف بكائن من دون آخر.
هذه الشعوب التي نراها اليوم مختلفه عن غيرها، قد عانت من ويلات الحروب والكروب، وبعد زمان من التجارب المرة، استيقظت على حقيقة، أنه ما من حياة تستمر بسعادة وهناء، إلا بالتخلص من الكراهية، وبالارتهان للحب كإكسير حياة، ونبت لا يجف طالما سقي بماء الوعي، وإدراك الطريق الصحيح للتعامل مع مخلوقات الله بالحسنى، واعتبار أن كل ما يدب على الأرض هو من موازين البيئة، ولا ينبغي التقليل من أي كائن، مهما صغر أو كبر، فكلها جاءت لكي تكمل دورة الحياة على الأرض.