خطوط الطول والعرض!
عند الأوروبيين، خطوط الطول أو الحدود لا تعني العرض أو الشرف كما عند العرب، ولا يلزم أن تقوم حرب بسبب شبر من الأرض متنازع عليه، ويمكن التوصل لحل جغرافي أو سياسي له، ويمكن استغلاله لمصلحة الأطراف، فيما يسمى بتبادل المصالح وتقاسم المنافع.
في حين عند العرب، الحل لا بد وأن يكون تاريخياً، ونهائياً، تيمناً بشعارهم القديم، لنا الصدر دون العالمين أو القبر، لكن في النهاية نخسر ما هو قدامنا ووراءنا، أقول ذلك وأنا أتفرج على الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي الملغاة، وبين الحدود العربية المشبكة والمسورة والمبنية عليها جدران أسمنتية، أو تلك التي تبدو مهجورة لا ينبح فيها كلب في الظهيرة، أو تلك الملغمة بمكاتب جمارك، وحرس حدود، ودوريات مدولبة. ففي دول أوروبا كثيراً ما تجد مقهى يضع كرسياً في فرنسا، والطاولة في لكسمبورج، أو مشربان واحد في إيطاليا، والآخر في سويسرا، بينهما فقط خط بالصبغ الأبيض يفصل الأرضية، كحدود وهمية، لكنك لن تجد صاحب المشرب يحسد جاره الآخر، ولن يعد عليه في الطالعة والنازلة، ولن يبيع بخسارة، لكي يسرق زبائن جاره، في مثل تلك البلدان الأوروبية كثيراً ما يتشارك جيران من بلدين مختلفين مثل بلجيكا وهولندا مثلاً، بيتاً واحداً بباب واحد، تجد فيه عدادين، وجرسين كهربائيين، واحد يدفع لكهرباء وماء وغاز بلجيكا، والجار الآخر يدفع لهولندا، يحمل البيت رقمين مختلفين وعنوانين مختلفين، ورغم ذلك الجار يصبّح على جاره، ويمضيان كل إلى عمله مستخدماً وسائل نقل بلده، لكن لو أن الجارين عربيان، فلن يتوقفا عن الذهاب إلى المحاكم في الكبيرة والصغيرة، ويمكن أن يتخاصما لسنوات على شيء ليس له قيمة، وإلا الحريم، عيال جارتنا دقّوا عيالي اليوم، وبكرا أن تكون شكّاية أو يمكن أن تدلق الغسيل الوسخ أمام باب جارتها، أو يمكن أن يتسابا من نوافذ البيت أو يمكن أن تتلصص على ما تطبخ جارتها، ولا تؤدي لها زوّارة أو تطاعمها من أكلها. ويا الله لو فيه ضرائب حكومية مختلفة، ستجدها تلعن سلسفيل المسؤولين في دولتها، وتنعتهم بالحرامية، غيرة من أن جارتها تدفع ضرائب أقل، لن تجد الجار يتسلح في الخفاء، ويخزّن ترسانة أسلحة، خوفاً من غدر جاره، ولن يتربص به، ويشك في كل تصرفاته، لذا يبث جواسيسه وعيونه للاستطلاع والسبر. السيارات بين الحدود الأوروبية تمر مثل البرق، لولا الرادارات، وبين الحدود العربية، يكثر التهريب، وتكثر التفتيشات، ونزع كراسي السيارة، وإطاراتها، وتوقيف سائقها شبه عار، وساعات طويلة لا تنتهي إلا بالعذاب، وتفتيش الجيوب بحثاً عن العملة والعمولة، وما أسهل التهم بعيداً عن القانون، قريباً من الرشوة، وفي منعزل عن احترام الإنسان، أقلها تلفيقة حشيش. حدود أوروبية غير مرئية، وحدود عربية معَلَمَة بالدم!
amood8@yahoo.com