“محمود عباس اختار المصالحة مع حماس، بدل السلام مع إسرائيل” هكذا نطق بنيامين نتنياهو، وهكذا عبر عن سخطه إزاء هذا التقارب الذي يراه نتنياهو موجهاً ضد إسرائيل، التي لا تريد أن يغمض الفلسطينيون أعينهم على سلام مع أنفسهم.. وهذه هي الحقيقة التي تقلق إسرائيل وتقلق أي عدو ولا يستسلم للأمان طالما تصالح أبناء القضية الواحدة.. وأعتقد أن هذه التصريحات النارية ينبغي أن تكون المطرقة التي تصم آذان إسرائيل وتوقظ أهل فلسطين على واقع لابد منه، مهما اختلفت المشارب وكبرت العواقب، أما عن الأجندات السرية والحقائب الخفية فيجب أن ترمى في “البحر” ويتخلص من أعبائها التي ما جلبت غير الفرقة والضعف ومزيداً من التعنت الإسرائيلي والاستقواء واستهواء التوسع على حساب الأخوة المتخاصمين.. نتمنى أن تكون هذه المصالحة هي الأخيرة لإعادة اللحمة وترتيب البيت وتشذيب الشجرة الفلسطينية من شوائب وخرائب الأيديولوجيات البائسة والتي ما جرت على فلسطين غير الليل الحزين والفقدان والخسارات الكبيرة.. نتمنى أن يستوعب الفلسطينيون الدرس وأن يفهم بعضهم أن الصواريخ التي تتجول في الهواء الطلق ثم تسقط على البطحاء دون أي نتيجة إيجابية ما عادت تجدي نفعاً طالما تفرق الأشقاء وصاروا طرائق قدداً ونكل بعضهم ببعض وسجن بعضهم بعضاً أكثر ممن هم في سجون إسرائيل.
وصارت الخلافات بين حماس وعباس أشد وطئاً من خلافهم مع إسرائيل والتي باتت تسرح وتمرح متمتعة بالانشقاق الفلسطيني سعيدة بالمواقف الدولية التي لا ترهب عدواً ولا تفيد صديقاً لا نتمنى أبداً أن تصبح المصالحة الفلسطينية مجرد فقاعة، وعلى أثرها يعود المتصالحون إلى خصام جديد يعيد المواقف إلى المربع رقم صفر، ولتصبح القضية صفراً على الشمال.. نتمنى أن يحيي الفلسطينيون الثوابت وأن يصطفوا جميعاً إلى جانب الإنسان الفلسطيني الذي هدم بيته واقتلعت أشجار زيتونه وبات يمشي في العراء خاوي الوفاض.. نتمنى لهم أن يتخلصوا من الانتماءات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، قبل تحررهم من براثن العدوان، ونتمنى لهم أن يفهموا جميعاً أن العقيدة الوحيدة للفلسطيني هي فلسطين وكل ما عدا ذلك فهو عواء في خواء، يضر ولا يسر يبيد القضية ولا يعيد لها شأناً، يدمر ولا يعمر بيتاً ويسدل الستار على أرض كانت هنا اسمها فلسطين.. الانتماء إلى غير فلسطين لا رصيد له ولا تاريخ، والجغرافيا تنبذه إلى أبد الأبدين لأن كل من يلتفت إلى غير فلسطين فهو يعيش حالة حمل كاذب، والفلسطينيون خسروا كثيراً لأنهم تحزموا بوثاق من تأبط لهم شراً، وكمن لهم، ولم يضمن لهم غير الخذلان والضياع في نافي المعتقدات السوداوية، الفلسطينيون محتاجون إلى استعادة التراب وليسوا بحاجة إلى من يطعمهم الشعارات ويسقيهم من وعود صكوك الغفران.. الفلسطينيون بحاجة إلى وحدة الصف ووضوح الموقف.. الفلسطينيون بحاجة إلى الإيمان بأن التخوين لا يجلب غير الفشل الذريع لأي خطوة نحو التقدم للأمام.


marafea@emi.ae