إذا كانت للفنان التشكيلي علاقة حميمة مع اللون واللوحة والصورة الذهنية التي يرسمها في مخيلته، ويحملها مثل وردة محافظاً على صورتها الزاهية، حتى تظهر على اللوحة أو الجدار أو سطح ما يجده الأنسب لإعلان ولادة عمله الفني، فإن للنحات صوراً وخيالاً يظل يحلق في ذاته وفكره حتى يحوله إلى شيء رائع وبديع، محولاً تلك الكتلة الصخرية إلى فن جميل.
في الساحة التي تلاصق الشارع العامر بالحركة والأسواق والأماكن الجميلة والأرصفة والعابرين هنا وهناك، كان يحرس حجراً كبيراً بجانب صخرة في زاوية اختارها لتكون منظورة ومشاهدة من كل العابرين.
تأخذك الدهشة أول الأمر، ماذا يفعل هذا بالحجر الكبير؟! لحظات ويبدأ بطرق الصخرة بإزميل ومطرقة، يظل يفتت وينحت الصخر، تمضي ساعات وساعات وهو بين الطرق والاستراحة، ليتضح بعد مدة أنه يحمل صورة في مخيلته ويطبعها على الصخر، بعد يوم من العمل يتضح ما أنجزه من فن بديع، يبدأ بالتلميع الأخير وتزيين قاعدة جلوس العمل الفني، تشاهد ما أبدع وأنجز ولا تجد إلا أن تصفق طويلاً، وتحيي ما أبدعه من فن، كنت تحسبها صخرة عند البدء، ولكنها صورة بديعة في ذهن الفنان، المحلق في الفضاء البعيد، كان يحلم، فأصبح الحلم جمالاً.
الفنان العزيز المبدع عبد الرحيم سالم، دعاني مرة لحضور عمل فني، يعتزم تقديمه في المعهد/‏ الملحقية الفرنسية بدبي، كنت فرحاً جداً ومسروراً بالدعوة، حضرت أعداد من محبي الفن، انتظرنا ماذا سوف يقدم عبدالرحيم سالم، في البدء لم نشاهد شيئاً، رحب بنا ودعانا إلى ساحة وسط المكان وتحلقنا حوله، فرش قطعة بلاستيكية كبيرة، وأحضر الكثير من علب الألوان، دلف إلى حجرة مجاورة، وخرج علينا بملابس العمال، ويحمل في يده بعض العصي، وأخذ ينثر الألوان الكثيرة على المستطيل البلاستيكي، ونحن في حالة ذهول وتعجب وترقب، ماذا يدور في ذهن الفنان؟!، بعد أن أصبحت القطعة مليئة بالألوان، لفها على جسده وربطها بإحكام، ثم أمرنا أن نجلده بالعصي، ترددنا أن نفعل، ولكن حثنا على أن ننفذ ما يريد، بعد مدة فتح ما لفّ به جسده من بلاستيك وفرشه وسط الدائرة من الحضور، فإذا هي لوحة فنية بديعة ورائعة، ظهرت فيها خطوط لونية في غاية الإبداع.
صفق له الجميع مأخوذاً بالفن والخيال والإبداع.
هكذا الفن والفنان المحلق، إنه طائر جميل الألوان، وفراشة ملونة تنثر الجمال والحب أين ما كانت.