انتهت بلدية دبي مؤخراً من ترميم 693 مبنى صنفت على أنها مبان تاريخية في إمارة دبي تتوزع بين منطقتي ديرة وبر دبي، وذلك للمرة الأولى، وفقاً لشروط ومعايير عالمية، وصولا إلى إصدار أمر محلي خاص بالحفاظ على التراث العمراني في الإمارة. وبلا شك، فإن هذا العمل يعتبر مهما للغاية بالنسبة لدبي ولكافة الإمارات، حيث شهدت مرحلة التنمية والبناء والتغيير بعد ثروة النفط في المنطقة توجها محموما صوب الأبنية الحديثة بكافة أشكالها المعمارية وعلى جميع الصعد، الأمر الذي قاد إلى شكل بدا وكأنه منظم ومقصود للخلاص من الهوية المعمارية التراثية للبلد، انطلاقا صوب المستقبل بمدن تتماشى مع التطور والحداثة، وهذا يقتضي بطبيعة الحال طرزا معمارية حديثة لا تلتقي في الغالب مع الطرز التقليدية القديمة لأشكال العمارة في الإمارات، الأمر الذي أفقدنا الكثير من الثروة المعمارية القديمة التي ضاعت مع عمليات الهدم والبناء. إلا أن المشروع القائم على حصر التراث المعماري القديم لإمارة دبي، وربما يكون من المهم تعميم التجربة في باقي الإمارات، ستكون له نتائج مستقبلية تخدم توجهات التنمية الثقافية في الإمارات وتحافظ على الوجه الحضاري والتراث الذي يشكل في نهاية الأمر ذاكرة المدينة وذاكرة أجيالها. إن هذه التجربة الجديدة، والتي ستحظى بتأييد وتقدير اجتماعي وثقافي من الجميع، ستقدم حصيلة معرفية كبيرة للأجيال الصغيرة والشابة التي لم تشهد كيف كانت مدينة دبي بدايات القرن العشرين ولم تعش فترات ما قبل النفط، بكل الأحداث الكبيرة والمهمة التي شهدتها المدينة، كما لم تحظ بفرصة معاينة تلك المباني التي تعتبر بشكل أو بآخر تأريخا حقيقيا وصحيحا للمدينة وشاهدا على تطوراتها ومرونتها وأهميتها، وهي مبان متنوعة تشمل المباني التعليمية والدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية ومباني الاستخدامات الحياتية اليومية ! بلا شك، إننا جيل شهد جزءا من مرحلة نهاية الستينيات، حين كان الكثير من تلك المباني لازال قائما أو مستخدما، لكن جيل اليوم لم يحظ بتلك الفرصة، ومن الطبيعي فإن مشروع الترميم الذي تولته بلدية دبي قد عوض الكثير من الخسائر الكبيرة في هذا المجال، على اعتبار أن مباني المدينة ذاكرتها الحقيقية، كما أنها التجسيد الحقيقي وغير المستورد أو المزيف لشخصيتها وهويتها المعمارية التراثية المتميزة. لدينا مبان ذات قيمة متميزة مثل حصن الفهيدي وبيت الشيخ سعيد، ومنطقة البستكية، والمدرسة الأحمدية وبيت الوكيل ودوار الساعة ودار الاتحاد، وقصر زعبيل، وعلى امتداد أرض الإمارات لدينا حصيلة ضخمة من هذه المباني، الأمر الذي يحتاج إلى محافظة وتوثيق جاد وسريع، ومن ثم تعريف الأجيال بكل هذا التنوع والثراء الحضاري، وإدخال هذه المعلومات والمعارف ضمن ما يدرس في المناهج الدراسية كما تفعل كل المجتمعات المتحضرة التي تعمل جاهدة على تعريف الأجيال الصغيرة بتراثها وتاريخها إضافة إلى تحويلها إلى مزارات سياحية وتعليمية لطلاب المدارس بدل هذه الزيارات التي لا تسمن ولا تغني لمراكز التسوق ومحال الوجبات السريعة، فلدينا ثروة وطنية يتوجب علينا الحفاظ عليها والاعتزاز بها وتقديمها للعالم أجمع لأنها تراث إنساني إقليمي وعالمي يستحق التعرف عليه.