مرة ذات صيف.. والشباب لا يزال غضاً، والشارب أخضر، وأفق واسع من الأحلام الملونة التي نمني النفس بها، وبعد أن ملّوا منا «جماعة الدعوة» أن ننضم لصفوفهم، والخروج معهم آخر الأسبوع لمسجد الصحابة أو مسجد النور في مصفح أو النية للخروج أربعين يوماً إلى باكستان أو عقد العزم، وتبيت النية للخروج ثلاثة أشهر إلى بنغلاديش، لحضور الملتقى العالمي للمسلمين، والتأسي بالصحابة والسلف الصالح في العيش الضنك، ومكابدة الدنيا وأهوائها، وتدارس القرآن والسنة، كما يقولون، بكثير من الورع والتقوى، ويكاد الواحد منهم أن يخضب لحيته من بكاء التوبة، والحب في الله، قررنا أن نستغل عطلتنا الصيفية، ونذهب باتجاه الشمال البارد، فكانت وجهتنا الدول الإسكندنافية، فقد كانت تأتينا صور متخيلة عنها، ومن ناس كثيرين لا يعرفونها، ولا فكروا بزيارتها، كانت من الصور النمطية التي تؤخذ عن الشعوب دون تفكير، ودون أن يتعب الآخرون أنفسهم في تغييرها، تلك الصورة التي يتناقلها الناس شفاهة، أنها بلدان مجون وإباحية وحرية تامة، ويضيفون قصصاً للتفسخ الأسري، وإتيان الموبقات ما ظهر منها، وما بطن، ليؤكد أننا الأنقى والأصلح، دون أن يدروا أن تلك البلدان الجنسية كما يتهيأ لهم، أنها مدن صناعية، وتعليمية عالية، ومحترمة للقانون، ومقدرة للآنا، وللذات الأخرى، وتكفل الحرية، والأمن للجميع، وأنها تنام مبكراً، لتصحو للعمل والإنتاج، وأنهم يشتغلون أكثر من نصف ساعات اليوم، رجالاً ونساء، وأتحدى أن يقدر أحد التلفظ بكلمة غير محترمة أمام شخص من النرويج أو يتطلع أحد لزوجة واحد من الدنمارك من أحفاد المقاتلين «الفايكنج»، ويخرج سالماً من الأذى، قال على حد خريط أصحابنا: «أنهم يأكلون لحم خنزير، وهذا يورث عندهم عدم الغيرة على أهل بيتهم، وأن الأمور ما تفرق عندهم وايد»! المهم كانت الصورة التي حملناها في حقائبنا ونحن نتجه لتلك البلدان التي لا نعرف عنها شيئاً، نساء شقراوات، وشعورهن كالسنابل ذهباً وفضة، وأنهن يعشقن الشعر الأسود، ويتوددن للشخص الذي يحمل ملامح شرقية، كانت أحلامنا تسبقنا في تلك الأيام الصعبة، المهم يا إخوان دخلنا النرويج، ومشطّنا السويد، وجلنا في الدنمارك، ولا واحد برّق فينا، ولا واحد قال لنا: «وين سايرين يا وجوه الركاب»؟ حتى أيقنّا أن آمالنا تتلاشى من قدامنا يوماً بعد يوم، طبعاً كنا متزرزرين ببدلات في ذلك الصيف، واحدة بنية غامقة، وأخرى رصاصية مخططة، والفاهم منا قال لابس بدلة كحلية، أصلاً اخترعوا البدل، علشان اللون الكحلي، والـ»كرفتات» كنا رابطينها من أبوظبي، ويوم نريد فسخها، يُظهّر الواحد رأسه منها على مهل، مثل «الدعَليّ»، ونكمل غداً. amood8@alIttihad.ae