يحدث في الحياة التي تكتنز الكثير من الأسرار والمفاجآت في مسيرة أيامنا أن نفتح باب القلب ولا نعرف كيف نغلقه، أن تهب ريح وتقتلعه، أن يسكن في القلب الحب، ويجري في كل أوردته، ينهمر في الروح نبعاً لا ينضب.
في لحظة يمكن أن تتغير كل تفاصيل حياتنا، ولا تعود كما كانت، يتغير موقع سيرها في المجرات وبين الكواكب والأبراج والنجوم، تزيح ماضياً كنا نعتقد بأنه ثابت وغير قابل للتزحزح قيد أنملة.
يحدث ذلك في رواية «قواعد العشق الأربعين» إحدى أجمل روايات الكاتبة التركية أليف شافاق، ليس فقط على صعيد السرد، بل للموضوع المطروق، وهو جانب من سيرة المعلم الصوفي شمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، حيث تغوص الرواية عميقاً في مفهومي الحب والعشق، الحب الذي جمع بين شمس التبريزي وجلال الدين الرومي، فوحد قلبيهما في لحظة عابرة في الزمن، لحظة تمكنت من أن ترسخ في قلبيهما، ولم يعد بعدها الرومي كما كان مطلقاً، حيث تحرك مسار رحلته الحياتية مائة درجة عما كانت عليه، ليأتي مع الأيام العشق العميق الذي وحّد الصوفيين الكبيرين، عشق يضرب جذوره في الأرض وينبت عليها أشجاراً ترتفع أغصانها الخضراء نحو السماء، وتتمدد في وعلى البحار والمحيطات، تتمدد في كل الأرض، لا تقصي ولا تستثني؛ عشق الخلق والخالق الموجود في الأشياء والأمكنة والأزمنة.
«قواعد العشق الأربعين» مفتاح للخروج من ترهل الأيام والذهاب بعيداً بقلب مشرع للحب وروح تهيم في تفاصيل الكون وإشاراته المرسلة في الصحو والنوم، تماما مثلما مس الهوى قلب «إيلا» بطلة المحور الثاني من الرواية، المتزوجة والأم لثلاثة أبناء، لتقرر الرحيل وتترك كل شيء وراءها، الأسرة والبيت والعمل، ترحل مستجيبة لنداء القلب الذي ظنت في يوم أنه قد توقف عن النبض.
في رواية «الكفر الحلو» الرواية داخل الرواية كان شمس التبريزي بقواعده ورؤاه للوجود نصيراً للمهمشين والمنبوذين والمشردين، لأنه كان يرى الخالق بعين العاشق، حيث في عين عاشق الوجود تتحطم القيود والحواجز والأحكام المسبقة، لتضيء الحقيقة فاتحة ذراعيها للحب الصافي.
كاتب «الكفر الحلو» كان صافياً حد النور الذي انجذبت إليه «إيلا» وتوحدت معه ـ على الرغم من علمها بأنه ليس لديه من العمر الكثير بسبب مرض السرطان الذي تمكن من كل جسده ـ بقيت معه حتى فقد الحياة بعد أشهر من عشق عميق.
«إيلا» تقيم وداعاً كبيراً وتغادر، تحمل إشراقته في قلبها وتتابع الحياة.