من يُكثر من الكلام، يقل في التفكير، ومن يتحدث كثيراً، لا يسمع كثيراً، فالصمت سر الفطنة، والإصغاء أصل الحنكة· الاستعراضيون يتكلمون كثيراً، ويثرثرون، ويدلون بدلائهم في كل جب· الاستعراضيون، أيديهم لا تتوقف عن التلويح، وألسنتهم لا تكف عن التصريح، فهم يخوضون، وفي كل وادٍ يهيمون، ويهيمنون، ويحتلون الصدارة في المجالس، وأصواتهم هادرة وتلميحاتهم ساحرة·· الاستعراضيون، لأنهم يُريدون إقناع الآخر بأي وسيلة وحيلة فهم مضطرون للكذب وسلب المعلومة من كل حدب· الاستعراضيون، محبون لأنفسهم أنانيون، فضوليون، دائبون في استقطاب انتباه الآخر، لا يكفون عن سرد الكلام ويغرفون المفردات غرفاً، ويعزفون على أوتار الكذب عزفاً ويخطفون الانتباه خطفاً هم عالمون بكل خبايا الدنيا متوغلون بأسرارها حتى نخاع العظم فلا تغلبهم غالبة، ولا تخيبهم خائبة ولا تفوتهم سائبة·· الاستعراضيون ترى في عيونهم الكذبة، فلا تصدق فعندما تحدق في وجوههم، يقولون لك لا تحملق فالمعلومة التي نسوقها هي كبد الحقيقة ثم يبتسمون ابتسامة باهتة ساخرين من بلاهة المستمع· الاستعراضيون خاوون كالطبول الجوفاء، فضفاضون كالبقايا العجفاء، متوترون، كالقشة الرجفاء·· الاستعراضيون، كرأس البصل تجدهم في كل مجلس ومحل هم أهل الحل والنقل يفهمون في المعتقدات السماوية والأرضية، والطوائف والنحل·· يحللون ويمضغون ويعلكون ويهلكون الحديث بالسلق والسحق وحلولهم لقضايا الكون ساحقة ماحقة، ويفهمون عن شؤون الأمم السابقة واللاحقة·· الاستعراضيون، متحالفون متضامنون متكاتفون مع الكذبة حتى وإن كانت واضحة وضوح الشمس لا تحتاج إلى تضمين أو تخمين أو تسمين·· الاستعراضيون ''علوج'' تستهويهم المروج والبروج، متطورون، متغيرون مع الظروف وألوانهم شتى في كل الأحيان والأزمان· الاستعراضيون حالمون إلى حد التورم لاهثون إلى درجة التلعثم ناهقون كالدابة في حال التجهم· الاستعراضيون، متفوقون على الناس أجمعين إلا على أنفسهم، فهم ضعاف كالموبوء ساعة الرعاف· الاستعراضيون مرضى تاهت بهم السُبل شهاقون كالمصاب بالسل صفر في المواقع سود لا بيض، في المواضع رماديون برمائيون كبعض القواقع ملونون متقولبون متدحرجون في كل الشرائح· الاستعراضيون مسافة شائهة تائهة ما بين الحقيقة والواقع·