ليبيا تحرق بخورها في غابة التوحش.. وككائن عصبي جبان، يحطم أشياءه، ليهرب من صراعه الداخلي، ليتخلص من عقدة أزمنة غابرة، أصبح القتلة، والمهرجون، يتداولون هدر الثروة الليبية، ويقذفون بمصير الأجيال القادمة في عرض بحر من اللا مبالية والعدمية.. ديمقراطية الأوباش، والعبثيين، مثل صراع الضباع على جيفة، هتك أوصالها الزمان، وباتت ليست إلا رائحة نتنة، وعظام وجلد. ما يحصل في ليبيا «الجماهيرية العظمى» يثبت بالدليل القاطع أنه ليس القذافي، كان المطلوب ولا ديكتاتورية، وإنما هي ليبيا، كان لابد وأن تؤدي بها الأيام إلى حالة من زعزعة الأوضاع، وقعقعة المدافع، والحؤول دون تحقيق ما أراده الإنسان الليبي البسيط الذي نشد الحرية، فجاءته مجللة بأصفاد المجانين والحاقدين والناقمين ليس على وضع سابق وإنما على الحياة، هؤلاء هم اليوم يشيعون خبراً سيئاً عن ليبيا وعن الإنسان العربي، بأنه إنسان لا يستحق الحرية لأنه كائن صنمي محاصر بأفكار قديمة قدم الدهر. ما يحصل في ليبيا من تدمير البنى التحتية، وإيقاف عجلة الحياة برمتها، هو هدف رسمته دوائر كارهة للإنسان أينما كان، وحلقة التدمير مستمرة، لأن فكرة التدمير تتفتح وتتورم يوماً بعد يوم، ولا يمكن إطفاء الحرائق طالما تشوهت القلوب والضمائر برماد الموت، وتعلقت العقول بفكرة الأنا ضد الآخر. لا يمكن أن يتوقف نزيف ليبيا، لأن الجرح مليء بالمكروبات والجسد واهن لعدم المناعة فلا مقاومة للمرض، طالما بقي الجسد يعاني من ضعف وهوان، الأنا الغاشمة.. ليبيا اليوم، عبرت الطريق إلى نهر الدماء، وتوقفت عند محطة انتظار الأكفان، والمؤنبون كثر، والفرحون بهذا الوضع كثر، والطامعون باغتصاب الحقيقة، وانتشال النفط الليبي لأغراض قبلية، أو طائفية أو حزبية أو شخصية.. ليبيا اليوم في موت سريري، والأطباء لم يحضروا بعد، لأن غرف العالم العربي مليئة بالمرضى والذين هم في حالة حرجة، ومستشفيات الوطن العربي تغص بآهات الذين فقدوا الأمل، ببارقة تعيد لهم أبسط أشكال الحياة، تعيد لهم شكلهم الإنساني الذي هرب مع هروب الحس الوطني والقيم العالية.