الأرقام عن واقع القراءة في العالم العربي أكثر من صادمة، وتقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونسكو ومؤسسة الفكر العربي لم تشهد تغيّراً لافتاً منذ سنوات طويلة، وظلت تشكل أجوبة لأسئلة تقليدية عن مستويات التقدم والنهضة الشاملة وتبايناتها، من المحيط إلى الخليج.
الفرد العربي يقرأ ربع صفحة سنوياً، ويقضي متوسطاً زمنياً، بين ست وعشر دقائق في مطالعة الكتب، وإجمالي مساهمة العرب في حركة نشر الكتاب لا يزيد عن 1.1% من مجمل الإنتاج العالمي، والمقارنات مع الشعوب الأخرى محبطة جداً، إذا ما علمنا أن الأوروبي يقرأ نحو 200 ساعة سنوياً، والأميركي يطالع 11 كتاباً في العام.
ربما تحتاج هذه الأرقام وغيرها إلى مراجعة، خصوصاً بعد شيوع الكتاب الإلكتروني، وتوافر بيانات دقيقة عن أوقات القراءة على شبكة الإنترنت، وارتفاع مبيعات الكتب الرقمية، لكنها في المحصلة تشير إلى معضلة أساسية في إطار التنمية البشرية العربية، ذلك أن واقع البحث العلمي ليس أفضل حالاً من القراءة.
الإمارات قررت إشعال أكثر من شمعة، ومواجهة مقولة: «أمة اقرأ.. لا تقرأ»؛ إذ لا يمكن تغيير الأرقام السلبية إلا بفعل إيجابي مباشر، عبر مشروع معرفي كبير، يجعل القراءة أسلوب حياة، كما هو حال «تحدي القراءة العربي» الذي توسع عالمياً العام الماضي، فشارك فيه طلبة من 30 دولة، إضافة إلى 14 بلداً عربياً، ويواصل المشروع زخمه وتطوره وتجدده بنسخة تلفزيونية، تنتجها شركة «أبوظبي للإعلام»، ومن المتوقع أن تشهد زخماً جماهيرياً كبيراً كل ذلك برؤية بعيدة من القيادة الحكيمة للبلاد.
الإمارات أول دولة في العالم تقر قانوناً للقراءة، في سياق «الرؤية الاستراتيجية الوطنية 2016- 2026» التي تبنت إنشاء «الصندوق الوطني لدعم القراءة بقيمة 100 مليون درهم، وأعلنت مارس من كل عام شهراً للقراءة، وإلى جوار ذلك برامج تعليمية وإعلامية لتحفيز الأفراد على علاقة مستمرة مع الكتاب، ووضعه في أولويات النشاط الإنساني.
الدول تضع القوانين، بأسباب موجبة، لإيجاد الحلول للتحديات المختلفة، والإمارات بذلك تتوخى زيادة الدقائق القليلة التي يقضيها العربي بين دفتي الكتاب، وتغيير الصورة النمطية الشائعة، وإحداث اختراق إيجابي في تقارير التنمية البشرية، ذلك أن «القانون الوطني للقراءة» وضع أطراً تشريعية وبرامج تنفيذية والتزامات حكومية لبناء مجتمع المعرفة في الدولة، وإيجاد نموذج إماراتي صالح للمحاكاة في أي دولة عربية.
القانون يختلف عن سائر القوانين، بعدم تضمينه عقوبات، وكأنّ المشرع أراد أن يقول بأنّه لا عقوبة أشد من أُميّة المعرفة على حاضر الشعوب ومستقبلها.