السرقة والتميز
في فيلم شاهدته على إحدى محطات التلفزة الخاصة، كان البطل يرغب في أن يكون كاتبا، وحسب قوله، فإنه حاول أن يكتب جملة في سطر خلال 15 ساعة، إلا أنه فشل، وفي محاولات أخرى لم تطاوعه الحروف في أن تتجسد على الورق جملة أدبية، ولذلك قرر أن يتبع رغبة أخرى فيه، وهي السرقة، حتى أنه أصبح بارعا فيها، حيث دخل مصرفاً واستطاع أن يسرق مبلغاً، دون أن يسفك قطرة دم أو يرفع المسدس في وجه أحد من المتعاملين في المصرف، فقط صوّب المسدس إلى رأسه وهدد الجميع بالانتحار إذا لم يلبَ طلبه، لتقوم عاملة الصرافة بمنحه ما في الصندوق من نقود، فكان له ذلك، بعد أن استغل بفعلته هذه تعاطف الجميع وولى هارباً.
ومع التصاعد الدرامي للفيلم، يسرق بمهارة الصرافَ في محل للوجبات السريعة، ويسرق صرافاً آخر في سوبر ماركت.. ويقع في حب الفتاة الأولى التي سرقها (عاملة الصرافة في البنك)، ومن أجلها يسرق تمثالاً يونانياً صغيراً من مطعم تناول فيه وجبة العشاء، يسرق زرافة من محل للهدايا.. وفي لحظة من الوجع العاطفي، يقرر التوقف عن السرقة ليكون مع حبيبته التي رفضت مزاولته السرقة.
لكن هل كان يمكن للكتابة أن تجعله يحيد عن السرقة، أم أن هذا الطبع سوف يجعله يذهب إلى أبعد من ذلك ويمارس ما يطلق عليه السرقة الأدبية؟
ما يلاحظ في سلوك البطل هو محاولته للتميز بأي شكل من الأشكال، حتى لو أدى ذلك إلى ممارسة السرقة، فالفشل الذريع الذي واجهه مع الكتابة، أدى به إلى التمادي في السرقة، وأن الرغبة في التميز جعلت السرقة سلوكاً، إلى حد أنه لا يستطيع التوقف عنها. وهنا يمكن أن نقول إن الرغبة في التميز كانت يمكن أن تدفعه إلى ممارسة السرقة الأدبية، وذلك لوجود خلل في تكوين السلوك لدى البطل، وهو رغبته الجامحة في تحقيق تميزه بأي وسيلة كانت، فهذا النوع من السلوك لا يعرف التوقف، حتى وإن أدرك أن كل المنابع التي تخلق منه متميزاً قد جفت.
وخارج الشاشة الفضية، خارج ساحرة العيون “السينما”، يوجد في المشهد الكبير والواسع باتساع الدنيا حالات من البشر تمارس شيئاً من السلوك الملتف والمتعرج والمتلون والمدعي ما ليس بحق، بهدف التميز وبلوغ الغايات، وهذا السلوك يمكن أن يتماثل مع سلوك السرقة، والتي تدمج معها سلوك الكذب وكذلك كل السلوكيات السلبية التي تتوحد وتقضي على صاحبها في وقت ما وزمن ما، يحدده القدر ويحدده التمادي الشره لصاحب هذه السلوكيات.
ولكن بالتأكيد، يمكن لكل شخص التراجع عن تلك السلوكيات، فثقافة النفس السوية التي تتفق على السلوكيات الإيجابية المتمثلة في الصدق والشرف والأمانة والخير بكل أشكاله قادرة على أن تحتوي تلك الشخصيات ويمكنها أن تدفعها إلى الأجمل.
ويأتي الحب كمغير كبير للكثير من السلوكيات، وهذا ما قدمه الفيلم للبطل اللص الذي فشل كثيراً في التوقف عن رغبة التميز المستمرة بأساليب وحيل مبتكرة، حيث يختم الفيلم بانصياع البطل إلى إصرار حبيبته على أن يتوقف عن السرقة، إلا أن الفيلم لم يقدم بديلاً مثل عودة البطل إلى محاولة الكتابة مثلا، وكأنه أراد أن نتخيل أن البطل سوف يندفع بحبه إلى حبيبته كي يكون مميزا في الحب.
سعد جمعة saadj mah@hotmail.com