منذ الألفين وعشرة، ومنذ اشتعال النيران وطغيان الطوفان في الوطن العربي، والمثقف في هذا المكان، يقف موقف المصدوم، فينفجر تارة مؤيداً مسانداً، معاضداً، مكابداً المر والعلقم، لما يجري لأنه لم يصدق ما يراه ويسمعه، فهذه المنطقة سكنت سكون الأموات، وصمت القبور منذ نهاية ما أطلق عليه عهد الاستعمار، هذا المأزق الأليم، كشف عن سوءات من كان يعتقد أنه من صفوف النخبة ومن صناع القرار الثقافي في الوطن العربي، لماذا؟ فالمثقف الذي لا يملك رؤية أمام التحديات المصيرية والذي ينساق وراء الأحمر الفاقع كالقطيع، يفقد جزءاً مهماً من سلوكه والذي هو ناتج عن خلل في البنية الذهنية .. وقد قلنا إنه ليس كل ما يلمع ذهباً وإن هذه الفورات التي عمَّت الوطن العربي، على حين غرة، وأصبحت كالثورة البركانية التي حثت معها واجتثت الحثالة والنخالة، ما هي إلا استفاقة العاطفة التي لا تخدم للود قضية، وإذا كان بعض المثقفين كان لهم رأي في أنظمة الحكم السابقة، فهذا لا يعني أنه إذا كان البيت يعاني تشققات في الجدران فنقوم بهدم البيت على رؤوس أصحابه، ففي ذلك عبث عدمية لا تؤدي إلا إلى ضياع المكان، في متاهات الفقدان والخسران .. وقد شاهدنا ولمسنا ما جرى في بلدان مثل ليبيا واليمن وغيرها، أن «الثوار» نجحوا والثورة فشلت، لقد ذهب القذافي، وكذلك علي عبدالله صالح، ولكن هذا الفراغ الواسع فسح المجال لدخول الهواء الفاسد، وحثالات قبلية وطائفية، وجدت ضالتها في هذا التمزق في النسيج السياسي والاجتماعي، إلى جانب الانهيار الاقتصادي .. والمثقف الذي كان مشاركاً أو متفرجاً يجد اليوم نفسه قد كشف عن سوءات ذاتية أوضحها أن هذا «النخبوي» ليس إلا فقاعة انتفخت وتورمت وتضخمت، وفجأة وأمام الأمر الواقع تنفجر إلى لا شيء وتتلاشى في ضياعها الفكري ولم يبق في المشهد اليوم سوى مجموعات تصدرت بصورة واضحة وجلية، وأصبحت القوّة الفاعلة في الساحة، لأن الآخرين، هزمتهم ذواتهم الممزقة، فلاذوا بالفرار ولا يملكون غير الكف بالكف ندماً وألماً، أما ما ينفع الناس فلم يقدموا منه شيئاً لأنهم لا يملكون شيئاً وفاقد الشيء لا يعطيه، ويبقى الزمن، زمن القتلة ومصاصي الدماء، والعدميين الذين لا تربطهم بالأوطان أي صلة، ولا معتقد لهم سوى الاستباحة والسباحة في حوض الواقع المتوحش، ولن تنجو الأوطان ما دام المثقف مجرد آلة كسولة مخبأة في معطف اليأس.. Uae88999@gmail.com