أصبحت مبادئ وقوانين حماية المستهلك اتجاهاً عالمياً راسخاً أقرته مواثيق الأمم المتحدة وتشريعاتها والتزمت به معظم دول العالم. وفي محيطها الإقليمي، تعتبر دولة الإمارات رائدة في هذا المجال؛ حيث طلبت بعض دول مجلس التعاون الخليجي الاطلاع على التجربة الإماراتية في مجال حماية المستهلك للاستفادة منها في مجال التشريعات والجهات الرقابية. وكانت الدولة سباقة في إصدار قانون لحماية المستهلك عام 2006 ، وإنشاء عدة جهات رقابية منها اللجنة العليا لحماية المستهلك التي تجتمع أربع مرات سنوياً وإدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، فضلا عن إدارات حماية المستهلك في الدوائر الاقتصاد بمختلف إمارات الدولة، بالإضافة إلى جمعية الإمارات لحماية المستهلك وهي إحدى مؤسسات المجتمع المدني. ورغم الجهود المبذولة من قبل تلك الجهات لحماية المستهلكين، فإن وجود جهاز أو هيئة لحماية المستهلك تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، يمكن أن تكون أكثر فاعلية بدلاً من تعدد الجهات في الوقت الراهن، في إطار سياسة الدولة لإنشاء هيئات اتحادية مستقلة للنهوض بمختلف القطاعات خلال السنوات المقبلة. وبالإضافة إلى تنفيذ القانون، يمكن لهذا الجهاز المقترح أن يعمل على إحداث حالة من التوازن بين حقوق كافة أطراف المعادلة، فالعلاقة بين التاجر والمستهلك وثيقة، بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى مصلحة طرف على حساب آخر. ويمكن لهذا الكيان أيضاً أن يؤسس لثقافات جديدة تتعلق بمفاهيم الاستهلاك وحماية المستهلكين، وذلك من خلال خلق صيغ عملية ومستحدثة لتفعيل معايير التوازن بين الموردين ومزودي الخدمات بمختلف مجالات عملهم من جهة، وبين المستهلكين بمختلف فئاتهم من جهة أخرى، وبما يؤدي إلى تعزيز الاستقرار في الأنماط الاستهلاكية الإيجابية ويسهم في مكافحة الغش التجاري وأساليب التسويق المضللة، وهي أدوار يمكن أن يؤديها كيان مستقل بيسر وسهولة. وتكمن أهمية الكيان الجديد في أن حماية المستهلك مسؤولية وطنية يجب الالتزام بها من أجل تحقيق مصلحة المستهلك وحمايته من محاولات الاستغلال والتلاعب بالأسعار التي قد تؤثر سلباً على القدرة الاستهلاكية والأداء الاقتصادي في الدولة. لكن رغم الجهود الحكومية المبذولة، على المستهلك أن يعي أن حمايته لا تنبع فقط من الدولة أو منظمات المجتمع المدني أو التجار، ولكن هذه الحماية قد يوفرها المستهلك لنفسه، من خلال انضباطه في الشراء ومعرفته بحقوقه وعدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة والتصدي بالقانون لأي فساد تجاري يتعرض له. إن وجود كيان مستقل لحماية المستهلك، والذي سيكون الأول من نوعه على المستوى الخليجي، بات أمراً حتمياً لتنفيذ قانون حماية المستهلك ومساعدته على تعزيز قدراته وإمكانياته الذاتية في ضبط أنماط الاستهلاك وحماية مصالحه. عاطف عبدالله | atef.abdullah@admedia.ae