مشكلة في المغرب
للمرة الأولى في حياتي أجد نفسي عاجزاً عن طوفان الروايات التي تنهمر على مكتبي من أصدقائي الناشرين على امتداد الوطن العربي، ومن الكاتبات والكتّاب الذين يحسنون الظن بقدراتي النقدية، ورغم ذلك أجد من يفاجئني باسم كاتبة أو كاتب روائي، يظهر فجأة في هذا القطر العربي أو ذاك، طارحاً السؤال: هل قرأت لفلان أو فلانة؟ فأقول: للأسف لم أسمع عن هذا الاسم من قبل، ويأتيني التعليق بامتداح رواية لم أكن أعرفها، فأسأل عنها أو أسعى لشرائها، وآخر ما كان ذلك في معرض الكتاب الأخير في مدينة الدار البيضاء، وقد كنت مدعواً إليه مع رفيق العمر صلاح فضل الذي نبهني إلى عدد من الروايات قرأت واحدة منها، قبل أن أغادر الدار البيضاء، بعد أن اضطررت لشراء أكبر حقيبة صادفتها لأحمل الروايات التي أهداني إياها الناشرون والأصدقاء، وبالطبع كان عليّ أن أدفع وزناً زائداً، ولم يشفع لي عند القائمين على الخطوط الملكية المغربية أنني أقع في دائرة الزوار المرموقين بعد أن منحني الملك محمد السادس وساماً رفيعاً مع صديقي صلاح فضل، ولم أكن قد تبقى معي ما يكفي لدفع الوزن الزائد الذي وصل إلى رقم ليس بالهين في عدد المئات من الدولارات التي أعارني إياها صلاح فضل، وأتعهد أمام القراء بردها إليه، فقد أنقذني من موقف محرج بسبب العدد الهائل من الروايات التي اشتريتها أو أهديت إليّ، وكان ذلك دليلاً جديداً على أننا نعيش في زمن الرواية أو السرد بلا فارق، فالسرد متصل أحد طرفيه ينطوي على درجة عالية من التركيز والتكثيف اللغوي والزمني، فيقترن بالقصة القصيرة، ويرتبط الطرف الآخر بالامتداد الأفقي للزمن وترجيع الأحداث والشخصيات فيقترن بالرواية، ويمتد الخيط الواصل ما بينهما إلى السرد التلفزيوني والأفلام الروائية، وذلك بما نوجزه بالاعتماد على الأبرز فنقول: زمن الرواية.
وقد تقدمنا في زمن الرواية التي نشهد انفجارها في كل عاصمة عربية أو قطر عربي، وذلك نتيجة عوامل سوسيولوجية وفنية عديدة، منها ارتفاع الطبقة الوسطى وامتدادها المزدهر في كل المدن العربية، بما في ذلك المدن الخليجية والطبقة الوسطى هي منتجة الرواية ومستهلكتها في آن، ودعك مما يقال عن تآكل الطبقة الوسطى، فما يحدث ليس تآكلاً وإنما تغير في تركيبة شرائح هذه الطبقة وتوجهاتها، ويكفي أنه نتيجة اتساع شرائح هذه الطبقة المرتبط باتساع مجالات التعليم العالي بأنواعه على امتداد الأقطار العربية، أدى إلى إقبال المرأة العربية على كتابة الرواية، خصوصاً بعد أن وجدت فيها منفذاً ومتنفساً، وتضافرت عوامل كثيرة لحدوث هذا الانفجار غير المسبوق في الرواية، وهو انفجار ساعد عليه مرونة الشكل الروائي، وقدرته على احتواء أشكال أدبية كثيرة، إما على هيئة متناصات أو باستعارة بعض الخصائص المائزة الموجودة في الشعر أو المسرح، ولذلك تتعدد أشكال الرواية إلى ما لا نهاية، ويتزايد الإقبال عليها إلى درجة تدفع حتى أنصاف الموهوبين وأرباعهم إلى الكتابة فيها، معتمدين على نقائض الفن من توابل الجنس وبهارات الكتابة..