في سوريا، الحل السياسي ممنوع، الحسم العسكري مقموع، والصراخ من هنا وهناك لإنقاذ سوريا غير مسموع، والكل من الأطراف المتحاربة يقول لا رجوع، ولم يبق أمام الشعب السوري المسحوق إلا أن يبكي على الدم المسكوب، والمصير المسلوب، والمستقبل المضروب، والاقتصاد المغلوب.
في سوريا، تشابهت الأهداف وتشابكت وتعقدت وأظلمت وتفاقمت حتى أصبح جهابذة المنظرين والمحللين، يقولون ربما لا حل، ولا عمل ولا أمل، ولا أجل لهذا العنف والقصف والخسف والكَسِف والعسفِ والأسف، لأن الأمور أفلتت من الأيدي كما هربت من الأدمغة، وأن المنتصر الوحيد في هذا البلد الفقيد والقعيد، هو الموت، الموت وحده، القابض والرابض والناهض، والراكض في كل زقاق ورواق، وعندما يستقوي الموت بالحقد فلا يمكن لأي قوة في الدنيا أن تردعه، لأنه كالطفيلي يتغذى على القذارة، ولا يهاجم إلا الأجسام المنهكة والمتهالكة، وسوريا اليوم أصبحت ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، وزاوية منفرجة، تتخطى حدود الممكن، بل والمستحيل، بل أصبحت شيئاً من التنكيل، والعصاب القهري الذي يفتك بصاحبه، قبل أن يؤذي الآخر.
سوريا اليوم خرجت عن طاعة المنطق وأصبحت منطقة بلا منطق تحدق في ما وراء الغيبوبة السياسية والفكرية تتعانق مع الكتلة النارية، بقلب محترق، والناس جميعاً عند مفترق طرق، اللاجئون في العراء القارس يلعنون الفراغ، والقاتلون في الداخل يحملون أرواحهم على أكتافهم «النصر أم الشهادة» والجند المجندة، تغرق الشوارع والأزقة بركام وأجسام، وحطام، والعالم لا يزال يفرز المبادرات تلو المبادرات التي تنتفخ كالفقاعات، ثم تنفجر في الفراغات اللامتناهية، «وكأنك يا بوزيد ما غزيت».
في سوريا اليوم، الناس البسطاء يرفعون الأيدي إلى السماء طالبين الحل من رب العالمين الرحمن الرحيم، وحده الفرد الصمد، الذي يفك الأزمات بدون أجندات ولا مشاريع ذاتية غارقة في الأنانية. الناس البسطاء، يريدون فقط العيش بسلام وأمان، ويحفظون أطفالهم من فوهات الدبابات أو جهنم المفخخات، ويؤمنون لقمة العيش، من دون خوف، أو إراقة دماء. البسطاء وحدهم، أصحاب المشاعر الصافية، والكلمة المتعافية من شوائب التوجهات والتيارات والانهيارات القيمية والأخلاقية. البسطاء وحدهم، يستحقون من يحلل أوضاعهم، ويحميهم من بطش القتال، والوبال والغربال، وما جاءت به الأحوال من أهوال.
البسطاء وحدهم الذين ستصل رسالتهم إلى السماء؛ لأنهم يبوحون من أفئدة كلها وفاء من أجل سوريا.



marafea@emi.ae