تعي السياسة الخارجية للإمارات أهمية آسيا القريبة في رسم المعادلات الدولية الجديدة، فأوروبا منشغلة بالتداعيات الأكثر تعقيداً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود اليمين، والولايات المتحدة أكثر انشغالاً برئيسها الذي لا يكف عن القلق من نهوض العملاق الصيني، وهو متأكد أن ما يقوله فلاديمير بوتين عن الصواريخ الجبارة المصنوعة في موسكو، لن يعيد الحرب الباردة. فالعالم تغير، والأقطاب تعددت، والطامحون كثر.
تبحث السياسة غالباً عن مجالاتها الأكثر حيوية للتحالفات أو للشراكات الاستراتيجية مع الدول، على قاعدة المصالح المتبادلة، والإمارات ترتبط مع عمالقة آسيا بعلاقات استثنائية على مستويات التنسيق السياسي، والشراكة الاقتصادية، ولا أدل على ذلك من أن حجم التبادل التجاري بين الإمارات والهند بلغ 52 مليار دولار (191 مليار درهم)، ووصل الرقم نفسه إلى 50 مليار دولار (183 مليار درهم) مع الصين، وفق بيانات العام الماضي.
من هنا، يمكننا قراءة دلالات زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا، الأسبوع الماضي، وهي الخامسة لسموه في غضون سنوات قليلة، ما دفع بالعلاقات بين البلدين إلى بلوغ «الشراكة الاستراتيجية الخاصة»، وقد عبّر الرئيس الكوري مون جي إن عن هذا المضمون، قائلاً إن «الإمارات هي الشريك الاستراتيجي الأول لكوريا في الشرق الأوسط»، كما أن الإمارات هي ثاني دولة مصدرة للنفط إلى كوريا.
قمة «الشراكة الاستراتيجية الخاصة» والزيارات الخمس لسموه، يمكن ملاحظة انعكاساتها في رقمين لحجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث كان يبلغ 32 مليار درهم في 2016، وقفز إلى 88 ملياراً العام الماضي، وسجلت كوريا لدى وزارة الاقتصاد في الإمارات أكثر من 2473 علامة تجارية، وفي الإطار نفسه، تشيّد سيؤول أربع محطات نووية في الإمارات منذ 2009، فيما التعاون العلمي والثقافي في أوجه.
الحضور الإماراتي الحيوي في آسيا، يتزامن مع ابتعاث أعداد كبيرة من شبابنا للدراسة وتعلم اللغات في الصين واليابان والهند وكوريا، ليحملوا مشروع الإمارات مستقبلاً، وهؤلاء هم جيل الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة الذي يريده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان جاهزاً لتحديات الثورات المعرفية المتلاحقة في العالم، وطالبه مراراً بالاستعداد العلمي والثقافي للتكيف مع مستقبل العالم بعد نصف قرن.
هذه رؤية ثقافية للعلاقات بين الدول، لأن التقارب مع الآخر بلغته، وباحترام خصوصيته الحضارية، يجعل العلاقات السياسية والاقتصادية أكثر متانة وديمومة، فنحن ننتمي إلى قارة ثرية التنوع، ونعرف خصائص شعوبها، منذ تأسس اتحاد الإمارات، فقد رحبنا بجيراننا في آسيا، وأسسنا نموذجاً للاعتدال والانفتاح، فكانت بلادنا على ما هي عليه من جاذبية للبشر، وتنافسية مع الكبار، ومصداقية عالية بين الدول.