موردو السلع الاستهلاكية، يستخدمون أساليب عنكبوتية شائكة يخوضون في الظروف الحالكة، وينشبون أظافرهم في أعناق المستهلكين، ومهما عملت لجان حماية المستهلك، ومهما فعلت واجتهدت وراقبت ولاحقت، إلا أن هؤلاء يخرجون من المواقف الصعبة كالشعرة من العجين، لأنهم يملكون قدرات خارقة في الالتواء والاحتواء والذهاب بعيداً في الخداع والمراوغة.
فما أن يشموا رائحة زيادات في الرواتب، إلا ويرفعوا من درجة حرارة الأسعار، حتى تُصاب بالسعار ويصاب المستهلك بالانهيار.. ضبط 8 أصناف غذائية بسبب الزيادة، يأتي ضمن ملاحقات دؤوبة وحملات دهم من قبل وزارة الاقتصاد، وفرض الغرامات لا يتوقف الذي يتعدى مائة ألف درهم، ولكن إلى متى يظل هؤلاء يتسربون في نخاع المستهلك ويتهربون من المسؤولية، ويراوغون ويماطلون ويعطِّلون النشاط الاقتصادي في البلد، ويسلبون الناس حقهم في العيش ودون منغصات ودون إحصاء للأرقام الفلكية المتصاعدة، والتي تُفرض بأمر من المورد، الذي لا يعترف بغير الأرقام الخيالية التي تشفي عليله وتروي ظمأه، كونه لا يفكر إلا بما يحصيه من ربح على حساب المستهلك الذي يرضخ للأمر الواقع صاغراً، لا يملك حيلة ولا قوة غير أنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله.
لأن المورد شاطر ومخاطر، ولا يخشى عواقب الجزاء، ولا يهاب الغرامات لأنه يعرف من أين تُؤكل الكتف، فإذا دفع غرامة بسبب سلعة رفع سعرها فإنه سوف يأخذ ضعف هذا المبلغ من سلع أخرى، يسرب أسعارها خلسة، وفي غفلة من الزمن وبحاجة ملحة من المستهلك الذي لا يستطيع أن يمتنع مثلاً عن شراء حليب لطفل، أو مادة غذائية لمريض، والمورد لا يعنيه لا من قريب أو بعيد، معاناة الآخرين لأنه اختار طريقاً واحدة لا سواها وهي طريق الربح السريع، وقبل أن يفوت الأوان ويتم ضبطه في مخالفة جديدة تكلفه غرامة جديدة.
إذاً المسألة تحتاج إلى طرق أحدث، وأكثر قدرة على ردع وضع هذا التسرب الأخلاقي، وفرض القيود المحكمة التي لا تدع مجالاً للخروج عن نص الواقع الاقتصادي والاجتماعي المعيش.. المورد ذكي وذكي جداً، ويستخدم هذا الذكاء في عمل لا يصب إلا في مصلحته، لذلك فإنه لابد من وجود القوانين الذكية أيضاً التي تقطع دابر هذا الاستلاب الخطير لأرزاق الناس، وهذا التكالب المستطير من قبل المورد لأجل تحقيق نجاحات اقتصادية على حساب المستهلك وعلى حساب البلد، وضد مصلحة الاستقرار الاقتصادي المطلوب والذي هو أساس بناء الأحلام الوردية، وجوهر سعادة الإنسان وأمن البلد وطمأنينته.. يجب أن يواجه الانفلات بوعي وثبات، وحسم وجزم، وصرامة لا فيها رحمة، لكل من يريد أن يعبث بالأمن المعيشي.


marafea@emi.ae