أقول يا إخواني، يا أبناء بلدي، القاصي منكم والداني، شجن الكلمات لا يلغي من رأسي غيظ الأزمان، الماضي تولى، والحاضر أحلى، لكن الحاضر مشمول بالقيظ·· فمدارسنا بعض منها مشلول، وأخرى مسلول، معلول، تحتاج إلى إسعاف جدي، يمنحها عافية وأداء·· فالمنهج عاقبة وعقاب، بل معضلة كأداء، فمعلمنا مسكين، ورهين الراتب، مطحون، مسكون بالهم، يسأل نفسه الشهر مضى والقادم أمضى، من سيف الجلاد·· يسأل نفسه، يا رأسي، كيف تعلم غيري، علمني كي أحتال على البقال، وأقول غداً يأتي الراتب وغداً تنفرج الأحوال·· علمني يا رأسي كي أختال حبوراً، لا تسقمني الأهوال·· علمني يا رأسي، فالعلم به نور، نورني خذني بعيداً، عن دائرة الأحزان، فالمدرسة صارت عش الغربان، غبراء شعثاء، بل أشبه بالصحراء، قاحلة شاحبة، صاخبة، بالأعشاب الشوكية· أقول يا إخواني، كل الأشياء من حولي تتغير للأحسن، إلا المنهج في مدرستي أحسنه سيء، والسيء أرعن، كل الطلاب تنادوا، صرخوا، قالوا: يا تربية'' الأجيال، الأجيال تعبت هضماً، فلا داعي للحشو·· الطلاب احتاروا من تطوير أشبه بالتحوير، وخوار المنهج صار دواراً، والتنظير عن التطوير، ملأ الكون صهيلاً وسحابات الغش والتزوير هطلت مطراً حمضياً، ما أنتج غير علوم شائهة باهتة، تتلاقح نسلاً لفظ الانسان الحضري، فظاظته، صار البحث عن الإبداع هو الإبداع، لكن الإبداع لا يأتي من لاشيء، فالإبداع جهود، وإرادات، والإبداع نافذة مشرعة، تؤمن بالرأي والرأي الآخر، تفتح آفاقاً للمتلقي، تمنحه أشواقاً للعلم·· لكن حفيظتنا قاصرة، قاتمة، شوهاء، لا زلنا نسكن في كهف الماضي، لم نتحرر من سيف ماض، سلطه الماضي ونحن نتحدث عن تطوير كالحلم، كالوهم، لا نعرف أن التطوير يعني التغيير، فالتطوير، بناء وتراكم ورصيد للخبرات، وعرف تتداوله أفكار المختصين، التطوير ليس عجيناً نخبزه في تنور الأهواء·· أقول، يا إخواني·· مناهجنا مسخ من فسخ، فخ ننصبه للأجيال، فالطالب يخرج من مدرسته بحزمة كتب لا يحملها إلا بطل الأثقال، يصل البيت مكدوداً، يلهث مجلوداً بالأحمال، فلا شيء يشوقه لكتاب يقف كالمرتاب، يقول كفاني تعباً، فهذي الحزمة أكرهها، أشعر بالغيظ إذ أحملها·· فالدرس عصي والحفظ قصي، وأنا لا أفهم لغة الطير، وداوود دعاني أن آتي ببلقيس إلى الفصل، لألقنها درس الكيمياء، والفيزياء، وأن أضع العقد بين يديه· أقول يا إخواني·· مناهجنا تجويف في الفيزياء، تحريف في الكيمياء، تخريف في الأحياء، تجديف في اللغة العربية، تجريف في الجيولوجيا، تخويف في الرياضيات، تسطيح في التاريخ، وتصحر في الجغرافيا، تبديد في الوقت، تغريد خارج السرب، ضياع في النهج والدرب، مناهجنا غرقت في فوضى الموضة، صارت خوضاً في المجهول، فجزمنا المرفوع، ورفعنا المعلول، وسكّنا المنصوب، ونصبنا أنفسنا قضاة، وجزمنا وحكمنا، وقلنا هذا المنهج، لا سابقة له ولا لاحقة، هو من صنع جهابذة فلاسفة أفكارهم ساحقة ماحقة· مناهجنا، جبال ساحقة، وأشجار سامقة، لا يتسلقها إلا فرسان شجعان، عقولهم معافاة، مشافاة من أي علة أو شائبة·· مناهجنا، صفية مصفاة، هي للأنقياء، والنخب والنجباء، وإن شق على الطلاب وما فهموا فعليهم البحث عن درس خصوصي· مناهجنا، طريقنا إلى التفوق، والتميز، ومن يتخلف عن الركب فعليه شرب ماء البحر·