تحية لمغامرة إماراتية
أن تفكر فتاة - أية فتاة - على وجه الأرض في أن تقتحم مجالاً علمياً أو عملياً نادراً أو لم تسبقها إليه واحدة من قبل من النساء فذلك حقها وهو أمر اعتاد عليه العالم كله وهكذا بدأت كل حركات التغيير والطموح والسعي نحو الأفضل في كل الدنيا، فهناك دائماً من يبادر قبل الآخرين ومن يبدأ الخطوة الأولى في طريق الألف ميل الذي تعبره البشرية لاحقا، المخترعون والمكتشفون والعباقرة وأصحاب المبادرات كلهم كانوا من هذا الفريق، وعندنا في الإمارات أن المبادرات اللافتة أو التي تثير الدهشة تكاد تكون أمراً غير مألوف بشكل كبير، لا يعني ذلك قلة المبدعين أو الأذكياء أو المبادرين لكن المبادرات بقيت في نطاق المعقول والطبيعي لكنها لم تثر شهقة الإعجاب حتى كانت المبادرة التي أعلنت عنها فتاة إماراتية مؤخراً برغبتها في الوصول إلى القطب المتجمد الشمالي !
بصراحة شديدة منذ سنوات طويلة لم أقرأ موضوعاً في صحيفة بهذا الشغف الذي قرأت به الحديث عن هذه الإماراتية الشجاعة حقا، والطموحة فعلا والتي تستحق التحية بجدارة، لقد أزعجني ذلك التعليق الذي تبرعت به إحداهن حين قالت” إنها تريد أن تشهر نفسها بأي طريقة” ، لقد كان تعليقا مستفزا وفي غير مكانه، وتبرعت بالنيابة عن الفتاة صاحبة المشروع بالقول إن هناك ألف طريقة للشهرة أسهل وأسرع وأكثر أمانا وسلامة من السفر إلى أقصى أصقاع الكرة الأرضية حيث يموت أعتى الرجال من شدة البرد وانخفاض درجات الحرارة ، لكن أن تسافر فتاة بكامل معدات رحلتها إلى النرويج ومنها إلى منطقة مجهولة في روسيا المتجمدة حيث تتوقف سبل الحياة والمواصلات لتعتمد على زلاجات تجرها الكلاب في صقيع بلانهاية وضمن دوائر متتالية من المخاطر فتلك ليست طريقة لطلب الشهرة أبدا، إنها طريقة للتعبير عن فلسفة عميقة تؤمن بها هذه الفتاة بشكل لا يمكن مجادلتها لإثنائها عن هدفها.
لقد عقدت إلهام القاسمي العزم على التوجه في أبريل المقبل إلى القطب الشمالي حيث الجليد يشكل سور العالم الشمالي وحيث الأرض لها مقاييسها وزمنها وظروفها وحيث تتغير كيمياء الجسد والروح ودقات القلب واحتياجات الجسد، ولا أظن إلا أن يكون إنسانا في منتهى القوة وعلو النفس والهمة من يفكر في ارتياد تلك الأصقاع، ويا لقلب والديك يا إلهام، ليلهمهما الله القوة على تثبيت قلبك قبل قلبيهما. وليكتب لك الله التوفيق لتعودي سالمة من مغامرتك العظيمة.
إن أولئك المغامرين الكبار من الرحالة والعلماء والمكتشفين الذين نتابع خطاهم عبر طرق الجليد اللامتناهية في تلك المناطق الشاسعة البياض والتجمد، تصفر الريح في أثر خطاهم وهم يعبرون وديان المخاطر بخفة، ليثيرو العجب والإعجاب وأغلبهم من سكان الدول الأسكندنافية وأوروبا عادة، أما أن أقرأ وأتابع رحلة فتاة إماراتية تفعل مثلهم وتخضع نفسها لتدريبات قاسية استعدادا للمغامرة الكبرى فهو أمر يثير الفخر والإعجاب ويدعونا لأن نقف معها ونطالب جميع المؤسسات الوطنية لدعم مشروعها كما فعلت طيران الإمارات وبنك الإمارات دبي الوطني كمؤسسات وطنية رائدة، فرحلة إلهام ليست بسيطة أبدا وليست عادية أبدا وتحتاج إلى دعم حقيقي لأن الإنجاز سيسجل للإمارات ولكل الإماراتيين وليس لإلهام القاسمي.