في كثير من الجهات الحكومية هناك مسؤولون يتحدثون عن واقع قائم، ويشخصون لك هذا الواقع ويشبعونه تحليلا وتبريرا، ويشيرون إلى مكامن الخلل والعلل، ومواطن التجديد والارتقاء، ولكن أي واحد منهم لا يقدم على أخذ زمام المبادرة باتجاه تبني مشروع قرار أو قانون يقدم إلى المراجع العليا، والتي بدورها لن تألو جهداً لتبنيه طالما انه يحقق الصالح العام· الأمثلة التي يمكن تقديمها على ذلك كثيرة، ولعل أقربها من واقع حديث الوكيل المساعد للشؤون المالية والإدارية بإدارة المباني التجارية في أبوظبي المنشور في عدد الأمس من''الاتحاد الاقتصادي· فالرجل يتحدث عن غياب ضوابط وتشريعات يحملها مسؤولية الارتفاع الجنوني للإيجارات في عاصمتنا الحبيبة، كما ينتقد وبشدة دور السماسرة ومكاتب الوسطاء العقاريين في الأزمة ، ويعتب على الصحافة أيضا لتركيزها على معاناة المستأجرين وتناسي من وصفهم بالملاك'' المساكين'' ، الذين لا يتعدى نصيب بعضهم من بنايته 150درهماً شهريا كما يقول !!· الواقع الذي نعيش ما هو الا افراز مرحلة كانت دائرة الخدمات والمباني التجارية اللاعب الرئيسي في سوق العقارات فيها، وقد كانت مسؤولة عن قرابة 80 بالمئة من العيون العقارية في المدينة، وقد كان موجوداً فيها منذ أكثر من 25 عاما وفي ذات الموقع الذي يتيح أخذ زمام المبادرة لتقديم تشريع بعيد النظر يحول دون وصول الوضع العقاري المتأزم الذي يعاني منه حاليا وبشرنا بأنه سيستمر بما لا يقل عن سنوات ثلاث قادمة في افضل التقديرات· اليوم الدائرة- التي تفتت الى إدارة - بعد أن تقلصت سيطرتها على السوق العقارية الى 35بالمئة فقط من اجمالي البنايات، تدعو الى تبني التشريعات ووضع الضوابط والتصدي للسماسرة الذين ازدهر نشاطهم في العصر الذهبي للدائرة، ولم يردعهم الا التدخل المتأخر · قانون الإيجارات الحالي في أبوظبي ساعد في لجم الزيادات غير المبررة ولا المعقولة، ولكن نحن بحاجة فعلا لمن يأخذ بزمام المبادرة ويخرجنا من جنون مروجي نظريات ''العرض والطلب''·