ثقافة الشارع بداية النهاية لكل سلوك إنساني، ولو اقتنع مرتاد الشارع أن هذا المكان الذي يجمعه والآخر هو فناء بيته الواسع وهو غرفة نومه الفسيحة لانتهت جل الظواهر السيئة التي نشهدها كل يوم، ولو وضع مرتاد الشارع نفسه مكان الشرطي الواقف تحت لهيب الشمس تجلده سياط الحرارة الحارقة وهو يؤدي واجبه المقدس من أجل تنظيم السير وتسهيل مرور السيارات، ولو وضع مرتاد الشارع نفسه مكان عامل النظافة الذي انكب على تقليم الأزهار على الرصيف، وتشذيب الأشجار وتنقية المرافق من الشوائب والمخلفات التي تركها المهملون واللامبالون في مكانها دون أدنى جهد أواهتمام ووضعها في مكانها المناسب أي سلات المهملات·· لو وضع مرتاد الشارع مكان هؤلاء المكافحين ليل نهار من أجل جمال الشارع وطمأنينة مرتاديه لاختفت جميع المظاهر التي يشيب لها الولدان ويشمئز منها الوجدان وهي لا ترقى أبداً إلى سلوك الإنسان العاقل المتزن الأمين على مرافق بلده، المخلص في التعامل مع منجزات وطنه ومقدرات أهله، المسألة مسألة ثقافة ووعي ومصالحة مع الذات والآخر، وهي أيضاً حاجة ماسة إلى أن يعي الفرد منا أن هذا المتاح في الشارع هو ثمرة جهود مضنية تقوم بها الدولة من أجل إسعاد الإنسان وتوفير وسائل الراحة كافة، لصناعة الجمال في النفس البشرية قبل أن تكون مجرد أشكال مصاغة في الشارع، هذه المرافق المشمولة بالرعاية والعناية من قبل الدولة، بحاجة إلى توافر جهد المستخدم وصيانتها والحفاظ على سلامتها لتكون إرثاً تتداوله الأجيال، فهذا المرفق الموجود اليوم هو ليس لي وحدي، بل هو لابني وحفيدي ولجاري وصديقي وللقادم من بعيد ليشهد هذا العطاء الجميل والرائع الذي تقدمه بلادنا لتستمتع عيون الآخرين وتستريح نفوسهم وتطمئن قلوبهم، ولتكون رسالة حب لمن يريد أن يطأ هذه الأرض الطيبة· ثقافة احترام الشارع ومرافقه بحاجة إلى تدريب وتهذيب وتشذيب ليصبح هناك تأنيب للنفس إذا ما أخطأت في التعامل مع هذه المرافق، هذه الثقافة الفردية أهم من سن القوانين ووضع التشريعات، فالذي لا يملك هذه البذرة الطيبة يصبح مستحيلاً ومعضلة على جل القوانين ويصير كالمادة اللزجة تتسربل بها القوانين ولا تحل عقدتها ونحن نعترف بأن هناك نقطة غائرة في النفس البشرية هي نقطة الخطر وبقعة العدوان إذا لم يستطع الإنسان كبح جماحها ولجمها والقبض عليها فإن جحافل العالم لا تستطيع الإمساك بها أوردعها، وثقافة التصالح مع الذات وكسر حدتها لا يتيسران إلا بالوعي والوعي وليد ثقافة الحب للمكان· نقول للمهرولين باتجاه اللامبالاة، قليل من حب المكان لا يضر ومن يكره مكانه يكره نفسه وكراهية النفس هي أقصى حالات الدونية والانحطاط·· بالحب وحده تتفرع الأغصان ويزدهر المكان وترتفع هامة الإنسان وترقى الأوطان بالأشجان النقية الصفية المتعافية من كل الأدران·· بالحب وحده يكون لمقام الوطن راية، ولساكنيه غاية ولطيوره الساريات أنشودة البقاء·