أن تستيقظ
في الفيلم الوثائقي «الحياة في يوم» حاول منتجوه توثيق شكل الحياة في يوم واحد هو 24 -7 -2010. من 80 ألف مشهد فيديو وتمت المشاركة من ناس عاديين عبر اليوتيوب، حاك فريق العمل فيلماً مدته ساعة ونصف تحكي قصة أن تكون إنساناً «يستيقظ» ليواجه يوماً عادياً جديداً في تجربة وثائقية فريدة من نوعها.
عبر مشاهد متنوعة من أصقاع الأرض يعلن البشر عن لحظة استيقاظهم الأولى، فيبدو الإنسان وهو يأخذ شهقات النفس الأولى، ويمط جسده عائداً إلى الحياة من موته الأصغر، ومع لحظة رفع قدمه عن السرير وملامستها الأرض، تتصاعد الموسيقى تتويجاً للحظة «النهضة». تلك الخطوة الصباحية الأولى التي يعلن الإنسان من خلالها أنه كائن عظيم قادر دوماً أن ينهض ليبدأ من جديد على الرغم من سواد الليل الطويل.
في هذا الفيلم، نرى الأمهات في آسيا وهن يستيقظن مع غبش الفجر، والأطفال الفقراء وهم يحملون على ظهورهم عدة العمل بدل حقيبة المدرسة؛ وتلك النسوة الفلبينيات الضاحكات وهن ينتفن ريش الدجاجات يبعنها في السوق قبل ظهور نور الصبح، ورب العائلة المصرية الفقيرة وهو يحمد الخالق على نعمة الحياة. يتحدث المشاركون عما يحبون، وما الذي يخيفهم، عن الأمل، وما الذي يبقيهم مؤمنين.
تشرق الشمس على فقراء ينامون في الشارع، على مسافرين في قارب، ينتظرون في الموانئ والمطارات، على أب صيني يجد طريقه بصعوبة في منزل فوضوي ليوقظ ابنه الصغير يشعلان عود بخور في تحية صباحية لصورة الزوجة الميتة.
على رجل وحيد في غابة إلا من صحبة كلب. ومراهق يجرب للمرة الأولى حلاقة ذقنه فينتهي بخدوش دامية ستذكّره دوماً أن الألم صنو الحياة. صوت تكسير البيض في مقلاة، دهن الزبدة على خبزة محمصة، تقليب القهوة في ركوة، ورجل في قرية جبلية يحلب عنزة. كلٌ يعد إفطاره. انه يوم جديد، والحياة يجب أن تسير.
وفي غرفة معتمه لا تزال أم أوروبية مستلقية بوهن في حين يرقص ابنها حولها ليوقظها، والأم تنهض بصعوبة، يتدلى من خاصرتيها أكياس بلاستيكية مليئة بالدماء، وجرح عميق في الظهر إثر عملية جراحية. وعن سؤال مما تخاف؟ يجيب زوجها إنه لم يعد يخاف شيئا، لقد كان يخاف إصابتها بالسرطان، وها قد حصل وانتهى الأمر.
يتصفح رجل مريض جريدته وهو مستلق على سرير المستشفى ويضحك شاكرا أطباءه وممرضيه ثم تخنقه العبرة من شدة الامتنان لحسن معاملتهم له فيبكي كاشفاً عن حياة لم يكن فيها الكثير من الحب.
تبتهج أم تعرف أنها حامل للتو، وأخرى توشك أن تضع. ورجل يقع مغمى عليه لحظة ولادة ابنه، ووالدة للتو ترفع جنينها إلى النافذة ليرى نور الشمس الأول.
يجيب المشاركون على أسئلة ثلاثة: ماذا تحب؟ ماذا تخاف؟ ما الذي في جيبك؟ يخرج رجل مفتاح سيارة لامبرغيني من جيبه وآخر يخرج جيبه للهواء. رجل غربي يخاف من فقدان شعره، وآخر أفغاني يخاف من فقدان حياته.
طفلة صغيرة تلتصق بنافذة البيت، وآخر بنافذة قطار، أطفال ينظرون عبر النوافذ في تشوق إلى الحياة. وطفل فلسطيني يجر عربة مهترئة في أزقة حارة ضيقة ولا ينظر لشيء، وحول نافورة في مدينة أوروبية يرقص أطفال مع رذاذ الماء المتدفق.
وبكل لغات العالم يحيّي رحالة كوري المشاهدين،، يسافر حول العالم بالدراجة الهوائية زار 190 دولة، تعرض لستة حوادث وخضع لخمس عمليات جراحية، وعلى طبق شوربته في النيبال تقع ذبابة فيذكّره حجمها بذباب كوريا ليشعر بالحنين ويتمنى لو تتوحد الكوريتان رغم بعد الأمل؛ وعلى الغناء الصادح لحاصدات القمح الإفريقيات تتوالى مشاهد الفيلم.
قد يختلف البعض، حسب الخلفية الثقافية لكل منا، حول بعض مشاهد الفيلم، لكن الأكيد أنه في المجمل احتفالية جمالية باستمرارية الحياة. أراده منفذوه توثيقاً لقصة كوكب، فإذا بالأفراد على هذا الكوكب يصنعون قصته المدهشة الكبيرة بتفاصيل حياتهم العادية الصغيرة في اللحظة التي يقرر كل فرد منهم أن «ينهض».
Mariam_alsaedi@hotmail.com