الفلك علم وفهم وفيه خير الكلم، وقد آفاق البابليون والصينيون والهنود على علم فسر وأخبر عن النجم وما حواه واحتواه من أسرار وأخبار وأطوار وأدوار ميتافيزيقية غيبية متلاحمة مع روح الإنسان القابضة على صيرورة الماورائي.. فاخترع الأولون الأسطرلاب والبوصلة ليروا العالم الخارجي الغامض والمبهم ويحرروا العقل البشري آنذاك من المجهول المرعب.. إلى درجة أنهم نسبوا العلاقة بين الإنسان والنجوم بعلاقة الموت والحياة وأن لكل إنسان نجمه المرتبط بمسار حياته وظروفه المعيشية.. ولم تقر للإنسان عين ولم يغمض له جفن ولم يهدأ له بال ولا تسكن روح ولا تطمئن نفس كونه كائناً يجد نفسه ضئيلاً أمام المكونات الطبيعية الهائلة والمذهلة، الأمر الذي جعله يفتح أبواب الأسئلة على مصاريعها ليطل على العالم الخارجي بقلقه الدائم والمستمر، هذا القلق هو القارب الحقيقي الذي وضع مرساة الإنسان عند مشارف علم أزهر وأبهر وأمطر وأثمر وأخبر عن مظاريف كانت مغلقة بإحكام، واليوم وهذا الفضاء المفتوح على آخر يصر بعض الفلكيين الخلط ما بين علم الفلك وقراءة الكف، يصر هؤلاء على إغراق العلم بالشعوذة، فأن يتوقع فلكي بتغيرات سياسية في بلد ما أو وفاة زعيم في بلد معين أو انهيار العلاقة بين دولتين، أو نشوب حرب ضروس تحرق الأخضر واليابس في بلدان بعينها..
تكهنات لا تستند إلى مفاهيم علمية، بل هي مجرد تخرصات وخروج عن النص العلمي إلى متاهات التهويم والتلغيم والتقييم والتنجيم والتخييم عند مضارب الشعوذة التي لا علاقة لها البتة بهذا العلم الجميل الذي أفضى بالإنسان إلى عوالم ذات معنى وقيمة إبداعية..
خلط يبدو أنه وليد علاقة وطيدة بين الإنسان وفكره المتدحرج نحو الإحساس بالتفوق والقدرة الفائقة والشعور أنه يعلم ما لا يعلمه سواه من البشر، وهذا في حد ذاته مسعى جاهلي لا يمت إلى علم الفلك بصلة ولا يخدم قضية الإنسان ومفادها أنه بحاجة ماسة إلى فهم ما يقطن في خارج نطاقه الكوني ومعرفة أسراره لمزيد من التحكم في مسار التطور البشري وخلق المزيد من الإبداعات البشرية التي تبشر بعالم يتحكم بلجام المسار الطبيعي لحركة الكون المحيط بالإنسان..
بعلم الفلك استطاع الإنسان أن يلجم الكثير من الكوارث الطبيعية أو على الأقل يقلل من فداحة خسائرها مثل الزلازل والبراكين والسيول والعواصف، أما ما يخرج عن نطاق العلم فهو مجرد استخراج لكوارث داخلية تعصف بذات المتكهنين والمتصومعين في عزلة الأفكار الخائبة والتي لا تسفر إلا عن مزيد من الانغماس في الخرافة وانجراف الإنسان نحو غياهب التجهيل والتقليل من شأن العقل.



marafea@emi.ae