عندما يصحو طفلك ليلاً، وقد زاغت عيناه، واضطربت جوانحه، وارتعدت فرائصه، وارتعشت أطرافه، وانهالت الدموع من عينيه، فاعلم أنك في النهار قمعته، وفي ساعة غفلة ردعته، وفي لحظة حماقة كبحته.
فانهض من نومك، وتذكر ماذا بدر منك، لتصحح المسار، وتكف عن ممارسة جبروت الكبير في حق الصغير، فكر جيداً، تهمل، ولا تمهل، بل فكر ملياً في ما يجري في هذه الليلة، حتى لا تتكرر لياليك المرعبة.
طفلك نهض من هدأته، لا ليقلق منامك، وإنما ليرفع إشارة الخطر، وليعلمك أنك ليس وصياً، بل مربياً وعليك أن ترتب أثاث وعيك، وتهذب أوراق إدراكك، وتستدعي العقل كي يحضر بوعي ويشهد ما اقترفته بحق هذا الكائن الصغير الذي يدرك ما لا تدركه، ويعي ما لا تعيه.
هذه الصرخة المدوية التي أطلقها في هذه الليلة، إنما هي جرس إنذار لمن لا يتذكر طفولته، ويريد للصغير أن يصبح كبيراً، متجاوزاً عمره الزمني، ومراحل الطفولة وعفويتها الجميلة.
هذه الصرخة ليست احتجاجاً على فعلتك فحسب، بل هي تذكيراً لك بأنك تقوم بدور الجلاد تنصب نفسك قاضياً، من غير شهادة علمية تؤهلك للقيام بدورك الأبوي.
هذه الصرخة، تخبئ في معطفها الطفولي نداءً واضحاً، واستدعاء لأخلاقك، التي ربما تكون قد نسيتها وأنت تخلع ملابس النهار، لتهجع ليلاً من دون ما يقلقك، فالآن جاء دور من يدق أجراس الليل التي في ثناياها يكمن كل مستور، وكل جار ومجرور.
في هذه الصرخة، سرد ليلي لحكاية نهار تمت فيها عملية سحب البساط من تحت قدميك، وافتضح أمرك، وأنت تقود معركة غير متكافئة مع طفلك الذي يتعشَّم الخير فيك دائماً وينتظر منك الحنان وليس جنون العظمة، الذي يتوخى فيك الرحمة، وليس زحام المشاعر الملتهبة مثل الأورام السرطانية في الجسد المريض.
هذه الصرخة، وما تلاها من نشيج، ونحيب، وشهقات، وهقات، إنما هي طرق على صفيح ساخن، يحتاج منك أن تفتح عينيك أكثر، وتتعلم من الطفولة براءة الصغار، الذين يعيشون في أكناف الحمقى، والموتورين، واللا مبالين، والعابثين في جنة الأبناء.
هذه الصرخة، تريد منك شيئاً من الوعي، وبعضاً من الإدراك، بأن التربية، ليست عصا تجرح المشاعر قبل الجسد، تهتك الروح، وتفتك بالقلب.
هذه الصرخة كشف حساب لولي أمر غاب عن الوعي في لحظة انشغال ذاتي فانهمر مثل الصخرة على رأس صغير، لا يفهم في الحياة غير الحب.
هذه الصرخة تريدك أن تخرج من عقلك الملوث، وتدخل في خيمة المشاعر النقية، وتتقي الله في صغير لم تزل مشاعره مثل قطنة لا تحتمل عصف الرياح.