الطوع والتطوع
ظهر مصطلح التطوع، وهو غير الطوع، من طاعة الرحمن، إبان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين فيما سيعرف فيما بعد بالنكبة عام 1948، فقد دخلت بعض الجيوش العربية شبه النظامية آنذاك مع أفواج من المتطوعين العرب والمسلمين والمسيحيين دفاعاً عن فلسطين وعروبتها، فمنيوا بخسارة واضحة، أرجعوا سببها إلى فساد الأسلحة المشتراة من بريطانيا، ثم ظهر ثانية فيما تلا حرب 1967 فيما سيعرف فيما بعد بالنكسة، وحماس الكثير من الشباب العربي، ووقوفهم خلف عبد الناصر، غير أن مصير هؤلاء المتطوعين أن بعضهم حوصروا في الحدود العربية، وبعضهم الآخر وصل متأخراً والحرب قد وضعت أوزارها. لقد كان هذا التطوع مفتوحاً للأفراد من دون ضوابط تذكر، ومن دون تدخل أحياناً من الحكومات التي كانت تقودها العاطفة والحماسة وشيء من التبعية، كما الأفراد في ذلك الوقت، لا السياسات والمنافع وتبادل المصالح، كما اليوم، ثم اختفى هذا المصطلح، فحرب أكتوبر، كانت مدروسة أكثر، وخاطفة، وكان ينشد من ورائها أهداف سياسية تتعلق بالسلام مع إسرائيل، ثم كان هناك التطوع في حرب لبنان، لكنه كان مختلفاً، فتطوع من أجل المبدأ أو من أجل “الاسترزاق”، لكن مع محاولات الولايات المتحدة تحطيم عدوها العنيد في المعسكر الشرقي، وفي بحثها عن كافة السبل المباحة وغير المباحة، حورت مصطلح التطوع إلى مصطلح آخر، يلقى هوى خاصاً، وعطراً فردوسياً، وهو الجهاد، حتى إنها أدخلته في قاموس اللغة الإنجليزية بالمسمى نفسه، وكذلك أقحمته في مفردات وسائل الإعلام المختلفة، وعملت عليه من أجل تجنيد الشباب العربي والمسلم في حربها شبه المعلنة مع الاتحاد السوفييتي أثناء غزوه لأفغانستان، يومها هبّ الشباب المتعطش للشهادة، والجهاد، تدفعه أمنيات واضحة، تحقيق رضا الرب، وأداء ركن من أركان الإسلام، وبلوغ إحدى الحسنيين، الجنة أو النصر، لكن من خلفه كانت هناك نيات غير واضحة، ولا جلية لكثير منهم، أنهم كانوا يخدمون الإمبريالية الأميركية في مخططها التوسعي، ولمنع وصول الاتحاد السوفييتي للمياه الدافئة، ولكن تحت شعار، وبطريقة أميركية محسنة، ومدروسة، وهي محاربة الملحدين والشيوعيين والاشتراكيين، الكفار. هؤلاء المتطوعون كانوا يزفون وهم ذاهبون لحرب أفغانستان مع أناشيد دينية مبتكرة من تاريخ صدر الإسلام، وحين يعودون جثثاً لبلادهم، يعاملون كشهداء الحق، لكن مع انتفاء وجودهم في أفغانستان وحربها المكلفة، طلبوا منهم الرجوع لبلدانهم، وهنا من حارب في تلك الجبال يصعب عليه تقبل حياة المدينة والتمدن، فبقى هناك بعد أن تزوج مثنى وثلاثاً ورباعاً، وكونوا خلايا وتنظيمات كالقاعدة، ومنهم من رجع لبلده، لكن لم يعجبه الوضع فثار، وكفّر المجتمع، واعتزله، وبعضهم قاتله، لأنه استعمل السلاح في أفغانستان بمجانية، فسهل عليه هذه المرة أن يوجهه للإرهاب والقتل من أجل أفكاره الثائرة التي يعتقد أنها الوحيدة على الحق، والمحجة البيضاء! ونكمل...
amood8@yahoo.com