كما أن العمل وسيلة كسب العيش وحماية الإنسان من مد اليد للآخرين، فإنه أيضاً قوة للذات وإثبات بما يحققه من طموحات وآمال مزروعة في النفس.. فالمرأة العاملة، والتي تغادر المنزل صباحاً، للحاق بركب العمل، والخروج من دوامة الأسرة الضيقة وهمومها، وعلاقاتها العاطفية، فإن الوظيفة التي تجعل من المرأة كياناً يكسب استقلاليته وقدرته على الإيفاء بحاجاته الاستهلاكية الضرورية، من كده وكدمه، وكذلك جعلها شريكاً في العطاء والبناء، وتقاسم جلب رغيف العيش، كل ذلك يطهر المرأة، من الإحساس بالدونية والتبعية والاتكالية، والإحساس بأنها رقم أو عدد كسري لم يصل إلى العدد الصحيح.. وقد أظهرت دراسة أميركية أن النساء العاملات أكثر صحة وسعادة من ربات البيوت، اللاتي لا يفرغن من غسل وجوههن، حتى يدخلن مطبخ البيت، ما يحرق رغيف قلوبهن تحت نيران اللظى والتشظي، في انتظار من يعود من خارج المنزل ليقول: هذا الطعام مملوح زيادة، وذلك سكره ناقص، والرحى اليومية تدور دون تغيير أو تطوير للطاقات الإبداعية الكامنة لكائن يمتلك من القدرات الذهنية والطاقة النفسية ما يملكه الرجل.. فإحساس المرأة بأنها شريكة فعلية في بناء الأسرة ومعيشها يقضي كثيراً على الاكتئاب، ويخفف من ضغوط نفسية بارعة في صناعة الأمراض الجسدية كالصداع المزمن، وأمراض القلب والسكر والضغط والروماتيزم.. فالمرأة غير العاملة إن لم تباشر مهنتها التاريخية في المطبخ، فإنها تطوي رجلاً على رجل، وتجلس متجمدة أمام الشاشة لساعات طويلة، فارغة مفرغة من هوى الانشغال بما يفيد، ما يجعلها مشحونة عاطفياً، عصبية، حسّاسة، تشكل علاقاتها مع أطفالها ثم مع الزوج، بأسلوب يخرج عن مألوف العلاقات الإنسانية الطبيعية، ما يدفع بهذا التشابك إلى خلق واقع أسري مكهرب قد يؤدي إلى حالات طلاق عاطفية وأحياناً يتطور إلى الطلاق الذي ما بعده تلاقي.
فقد نتفق وقد نختلف، حول مفهوم العمل وخروج المرأة إلى مجالات العمل المختلفة، ولكن الأمر الطبيعي أن تجد المرأة ذاتها، وأن تحقق هذه الذات من خلال قناعة ذاتية أنها كائن فاعل، ومهم وليس هامشياً، فإيجاد الدور يضع المرأة في دائرة الضوء، ويجعلها قادرة على رؤية نفسها من خلال آخر يصوب أخطاء ويذوب شوائب، لا من خلال مرآة ملصقة على جدار، في زاوية معتمة تعكس الصورة المغايرة للداخل، بل وتضع الكثير من المساحيق، الخادعة والمراوغة التي لا يتم اكتشافها إلا في ساعات المحن الأسرية، عندما يشتد وطيس الخلافات الزوجية، فتبرز العيوب والأمراض النفسية والشحنات المتفجرة، المكبوتة في أحشاء تفرز وتبرز كل ما تم إخفاؤه ولكن بعد فوات الأوان، وتفقد المرأة الأمان الزوجي، ويخسر الرجل الاطمئنان العاطفي.


marafea@emi.ae