هكذا هو الإنسان منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها يظل طوال حياته ما بين مودع ومستقبل، مودع يرى في السنة الماضية آلاما وأحداثا ومنغصات يجب تجاوزها، ومستقبل يرى في العام الجديد كل ما هو إيجابي طموح يشحذ من خلالها الهمم ويرى أعمالا يجب تحقيقها وإنجازها مهما كان الثمن. لكن ثمة سنوات تمر على البشرية تعادل قرنا من الزمان لا يمكن أن تنسى بهذه السهولة تختزل في شهورها وأيامها أحداث قرون، وتعتبر سنوات مرحلية في تاريخ البشرية والشعوب منها عام 2011 التي شهدت بدايتها انطلاقة ما يعرف «بالربيع العربي»، أو ثورات الشعوب ضد أنظمتها وأحدثت تغيرات كبيرة على صعيد الإنسان العربي على وجه الخصوص. فهل كان المعارض التونسي المنفي خارج وطنه منذ أكثر من 22 عاماً يحلم بأن يؤدي اليمين من قصر الرئاسة في تونس بعد شهور قليلة من سقوط بن علي وهروبه خارج البلاد؟ إنه التغيير، سنة الله في الكون ولولا هذا التغيير لانتهت الحياة على الأرض، وعلينا أن نرى هذا التغيير الذي يحدث حولنا من منظور أوسع، لقد أثرت الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية إيجابا في العالم كله؛ فقد تغير تفكير المواطن العربي وتغيرت اهتماماته وبات متابعو النشرات الإخبارية أكثر من متابعي مباريات الدوري الأوروبي وقنوات الأفلام. إنها الحقيقة التي جعلت المواطن العربي من المحيط إلى الخليج يتعاطى السياسة عن طيب خاطر ويتفاعل مع ما يحدث في سوريا واليمن ومصر وتونس وليبيا. هل كان أكثر الخبراء حنكة يتخيل قبل عام من الآن شيئا مما يحدث حاليا في المنطقة العربية؟ بالطبع لا. فما حدث هو سنة الله التي لم يفطن لها معظمنا وبطبيعة الحال فإن توديع عام 2011، واستقبال عام 2012 سوف يكون مختلفاً عن السنوات السابقة، وأستطيع القول إن أبناء هذا الجيل محظوظون بأن شاهدوا وعايشوا كل هذه التغيرات التي شهدتها منطقتنا العربية التي ظلت عقودا بعيدة عن اهتمامات العالم إلا فيما ندر. إن عام 2011 سيظل من السنوات التي سيدونها التاريخ كسنة حافلة بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقطعاً سيدون التاريخ أبطالها بدءاً من التونسي «البوعزيزي» الذي أحرق نفسه احتجاجاً على تردي الحالة السياسية والاجتماعية في بلده، مروراً بسقوط آلاف الضحايا والشهداء في مصر واليمن وليبيا وسوريا واليمن، إلى جانب اختفاء زعماء ورؤساء من الصورة وظهور آخرين كانوا حتى وقت قريب ممنوعين حتى من دخول أوطانهم. إنها سنة الله في كونه. وكل عام وأنتم بخير إبراهيم العسم