لو لم يحمل غلاف الطبعة الثانية العبارة الترويجية: “الرواية التي تنبأت بثورة 25 يناير”، لكانت مرت مرور الكرام على موائد النقّاد والقرّاء. فتلك العبارة هي جوهر الرواية ومحورها. وهذا يعني إن أي قارئ يريد أن يقرأ الرواية بعد عشر سنوات أو أكثر، من حقه أن يحصل مع نسخته على بطاقة تعريفية توضح إن محمد سلماوي نشر رواية “أجنحة الفراشة” قبل سنة من وقوع ثورة 25 يناير، وبالتالي فإن كل ما تضمنته صفحاتها عن وقائع الثورة، كان في حينه مجرد خيال أو أمنيات أو محض تحريض.. اتخذ المؤلف من الرواية، ذريعة أدبية لكي يكتب سيناريو ثوري، أو قل جدول عمل نضالي ـ حتى لا نقول أجندة سياسية ـ يصور فيه اندلاع المظاهرات في ميدان التحرير، وهجمة الأمن على المنتفضين، وارتباك الحكومة والحزب الحاكم، ورفض الجيش الانصياع لأوامر القمع، وانطلاق الشرارة إلى بقية المحافظات، وتكتل القوى السياسية في جبهة واحدة، وسقوط النظام القاهر لصالح تجربة ديمقراطية محلوم بها.. تلك محطات شهدتها ثورة 25 يناير بشكل أو آخر، لكن محمد سلماوي برؤيته أو رؤياه، قدمها بصيغة روائية يمكن ابتلاعها في حينه، أي في العام 2010.. أما ما قبل ذلك، أي ما قبل المنشور السياسي، أي فيما يتعلق بالذريعة الأدبية نفسها، فإن الرواية تستحق كلاما آخر.. تدور أحداث “أجنحة الفراشة” حول حياة أربع شخصيات رئيسية: ضحى الكناني، مصممة الأزياء وزوجة المسؤول البارز في الحزب الحاكم التي تعاني من فراغ عاطفي وزوجي. والدكتور أشرف الزيني الأستاذ الجامعي والوجه البارز في المعارضة الذي سوف يكون له دور مؤثر في الثورة. والشقيقان أيمن وعبد الصمد، أولهما طالب جامعي مجتهد، نقي، تعتركه أحلام الشباب في الحرية والكرامة، ويخوض رحلة بحث مضنية عن والدته التي اكتشف متأخرا إنها ما زالت على قيد الحياة بعد طلاقها من والده. والثاني تقوده طموحاته إلى الوقوع بين براثن عصابة إنترنت تسلب منه ماله المدخر والمستدان، بعدما أوهمته بصفقة زواج من سيدة كويتية ثرية. مثلت الشخصيات بين يدي القارئ مكتملة القسمات. شخصيات منجزة، ترتدي ثيابها وتضع المساحيق اللازمة لأدوارها، وظلت على هذا النحو منذ إطلالتها الأولى وحتى الصفحة الأخيرة. وحتى عندما داهمت التحولات السلوكية والنفسية إحداها (مصممة الأزياء)، جاء التحول باردا، كأنه تحصيل حاصل، وليس نتيجة عاصفة أطاحت بمنظومة قيم سابقة على أعتاب منظومة جديدة. وهو أمر يمكن تبريره في سياق تصاعد الأحداث الذي كان يجري وفق متواليات هندسية أو حسابية. كل خطوة تؤدي إلى خطوة تالية معروفة ومنتظرة، وتفتح الطريق أمام الخطوة الجديدة المعروفة والمنتظرة.. وتسببت هذه الآلية في خلق فجوة بين الشخصيات داخل الرواية، وبينها وبين القارئ، الذي يستطيع أن يضبطها متلبسة بمحاولة افتعال الحرارة والحميمية في مشاعرها. وربما كان أغربها شخصية الأستاذ الجامعي المعارض، والقائد المفترض، الذي بدا في المشهد الأول شخصية منفرة، ولم يقدم في مشاهده اللاحقة سوى “كليشيهات” عن سيرته النضالية وتكوينه الراقي، أقنعت مصممة الأزياء لكي تتبعه لكنها لم تكن كافية لكي تقنع غيرها. ومع ذلك فإن “المتخيّل” السياسي الذي قدمه محمد سلماوي، يلتمس له العذر عن رواية جاءت في صيغة “حدوتة” تحكيها الجارة لجارتها عن جارتهما الثالثة.. وربما يدعوه لكي يقدم الجزء الثاني عن أحداث شارع محمد محمود وما بعدها.. adelk58@hotmail.com