بكل بساطة أعلنت مؤسسة الفكر العربي في تقريرها الثقافي الرابع أن نصيب الفرد العربي من القراءة لا يتجاوز ست دقائق سنويا، دون الإشارة إلى كيفية التوصل إلى هذه النسبة، أو النظام المستخدم أو المعايير أو الشرائح التي مُسحت، وهذه النسبة في تصوري تلتقي بادعاء الناشرين أن الشعب العربي لا يقرأ، ولهذا تطبع من عناوينها ألفي نسخة على أكثر تقدير، بينما يواصلون فتح دورهم، بل إنها تفرخ سنويا وتملأ معارض الكتب، فإذا كان الشعب العربي لا يقرأ، فلمن كل هذه الإصدارات التي يتحفنا بها الناشرون والمؤسسات الثقافية كل عام، وما رأيهم بالقراءة الإلكترونية؟ إن الاتكاء والتذرع بالأمية للوصول إلى نتائج خطيرة لا يشكل منهجا علميا للوصول إلى أي حقيقة، فالنسبة يجب أن تستند إلى المتعلمين الذين يقرؤون ويكتبون، وإلى المعنيين بالكتاب وطلبة المدارس والجامعات والكليات، والفئات المهنية، ونسبة القراءة لدى الرجال ونسبتها لدى النساء، فالقضية ليست اعتباطية كي نجمع الحاصل ونقسمه على اثنين لنخلص إلى المعدل، كما فعلت إحدى المؤسسات في تقييمها لبحث تقدم به أحدهم إلى جائزة تنظمها، المقيم الأول منحه 92 درجة والمقيم الثاني منحه 67 درجة، فما كان من اللجنة الآلية أن جمعت الرقمين وقسمت الناتج على اثنين، بينما كان يجب أن تتوقف عند الفارق الكبير في التقييم بين المقيمين لتكتشف سر الثغرة الكبيرة، وكل ما أخشاه أن مؤسسة الفكر العربي قد توصلت إلى نسبتها (6 دقائق) باتباعها هذا الأسلوب. أنا لا أدعي أن الشعب العربي فأر كتب وصحف ومجلات، والسبب لا يعود إليه وإنما إلى دور النشر التي لا تسأل عن الجودة بقدر ما تسأل عن المادة (المال)، فمن يدفع يطبع، وهكذا تراجعت الثقة بين القارئ ومنتج الكتاب، بل طالت الكاتب نفسه، ثانيا، يعود السبب إلى شركات التوزيع التي تهتم بتوزيع المجلة أكثر من الكتاب، فلو وُضع الكتاب الجديد إلى جانب المجلة، ولو قامت دور النشر بالترويج لإصداراتها احتراما لدورها وللكاتب، ولو قام الإعلام بدور تنويري ثقافي وتوقف عن عرض المهازل والتفاهات في المحتوى والتقديم والإعداد، لو كل جهة قامت بدورها لوجدنا نسبة التوزيع تتضاعف، لكن المصيبة الثقافية تكمن في عدم الاختصاص، إذا كان في النشر أو التوزيع أو العاملين في العمل الثقافي أو طريقة تنظيم الفعاليات وغيرها، ولو ضربنا مثالا بمعارض الكتب سنجد اختلاط الحابل بالنابل، سمك لبن تمر هندي كما يقال، لا احترام لأجواء المعرض ولا لقدسية الكتاب. هنالك كتب تنفد من السوق وبعلم الناشر بالطبع، لكنه لا يكلف نفسه بالتنويه بهذا الأمر، ولا بالاتصال بالكاتب. تابعت تغطية حية لمعرض بيروت للكتاب، وقال أحد الناشرين إن المعرض يلاقي إقبالاً عالياً، ونسبة البيع جيدة، ولكن الناشرين والعارضين يرفضون الاعتراف بهذا، شكرا لهذا الناشر الذي قال الحقيقة، وما خفي أدهى وأمر. akhattib@yahoo.com