كنجمة عابثة في سماء الروح، كغيمة متوحشة تطل من نافذة الشوق، كحلم بات يختلس النظرات، ثم يخبو ويحبو متسرباً في ثنايا العتمة، أشعر الآن أنني في نهاية مرحلة، في بداية زلزلة، سقف يخيم على رأسي ولا يحميني من اللظى، والعالم من حولي، محيط يغسل موجاته باحتقان تواريخ غابرة وإرث أشبه بالروث، والجوارح التي كانت تهيم في براري الفراغ، باغتت الأرض، بويل وعويل، صارت تنهش وتجهش وتتصور أن الجنة تحت أقدام الضواري، تتصور أنها تتطهر بالدم من الغم وأنها الأزكى رائحة.
أقرأ التضاريس وأتلمس الطفح الجلدي، أقرأ الفصول حيث الربيع يخضب أعشابه بالأحمر الساخن ويمضي بلا أشجار، يا الله، كم عدد الأموات الذين يذهبون إثر كذبة، على خشبة مسرحية هزلية، هزت أركان القلوب ولم تنجح في سرد الحكاية كما هي، عندما أعلن الشيطان عصيانه على الحقيقة، فسقطت تفاحة الحق بين يدي ضحية تلو أخرى، حتى أصبحت الأشجار كالأحجار، والأحجار بالغبار، والغبار عفار ما أحدثته الحوافر والحناجر.
ماذا بعد؟ ماذا قبل؟ والبداية تشبه النهاية، والحكاية أن عقدة ما فكرت أن تنفك، فاندلعت كما اندلقت دملاً، يصب صبيبه وصديده ولا يثري الفضاء إلا بإغواء وعواء، والأفكار تفتح أبواب جهنم، كلما اغتسلت من كذبة هاجمتها أكاذيب.. وأنت وحدك إنسان من هذا الزمان، تخاصمك الجهات فلا تعتبس ولا تغضب، بل تخصب بالحب، ولكن بالحب وحده لا تحيا الشعوب، فهناك الأزقة في الثغور يختبئ وحش الموت، يخبئ في جيبه سكين الغدر، وفي القلب حقد ونكد، وكائن وغد، صنع الكذبة وصدقها، وصاغ الحكاية وصار يسردها جهراً وسراً، معتنقاً، فكرة أشبه بالجمرة، هي أشبه بسكير لعبت في خلاياه الرشفة الأولى ثم رشفات ما بعد الاحتباس.
وأنت وحدك إنسان من هذا الزمان تريد العيش آمناً، تريد رغيف الحياة لصغار شردهم العبث، تريد الستر لامرأة، نامت في عراء المراحل العدمية، تريد الوطن صافياً متعافياً من براثن ومحن، تريد المكان فضاء ينفتح على الزمان بلا حدود ولا سدود ولا صدود، ولا سقف يخيط نسيجه دجال محتال مختال، وتريد للسؤال أن يكون بحجم الجبال والآمال، وتريد أن يتوارى الحقد، وتريد ألا يصير الدين مطية، لكل من فَقَدَ شهية الحياة، وتريد أن يستيقظ السكارى ليقولوا إن الله حق وان للأوطان حقاً.. تريد.. وتريد، ولكن الذين لا يريدون كثر، والذين ظنوا كما ظن من قال: «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء» يتناسلون، ويلونون الدين بألوان الطيف والسيف والحيف حتى انفك عقال البعير وصارت الأوطان أشبه بالطوفان.. والله المستعان.



Uae88999@gmail.com