قد يراها البعض دعوة مبالغاً فيها أو حتى متطرفة، بأن تقوم الدولة بخصخصة قطاع التعليم وإلغاء الدراسة المجانية، لكنني أعتقد أن تردي حال التعليم الحكومي، وفشل معظم الخطط والبرامج التي وضعت لانتشاله وتطويره، تتطلب طرح أفكار غير تقليدية والبحث عن حلول جذرية وإن كانت من النوع الصادم والذي قد يثير الخلاف في ردود الأفعال مثل إلغاء مجانية التعليم. أعتقد أن هذا هو الحل الرئيس إذا كنا نريد بالفعل انتشال التعليم وتغيير الحال التي وصل إليها في الوقت الراهن، من خلال السماح للمدارس الحكومية بلعب دور المدارس الخاصة، بتوفير التعليم بمقابل مادي معقول يكون في متناول الجميع. لا أريد الإطالة، لكن دعونا نركز على الأساسيات، الدولة عندما تبنت مفهوم مجانية التعليم فإن هدفها كان وما يزال يتعلق بدفع عجلة التنمية وبناء مجتمع يتسلح بالعلم والمعرفة، بالإضافة إلى التخفيف عنهم ومساعدتهم على تحمل أعباء الحياة من خلال توفير التعليم وهو أحد الضروريات من دون إثقال كاهلهم بالمصاريف. لكن اليوم عندنا مشكلة واضحة وضوح الشمس، وهي أن معظم المواطنين لا يستفيدون من مجانية التعليم التي خصصتها لهم الدولة، وعوضا عنها يقومون بتعليم أبنائهم في المدارس الخاصة ويتحملون مصاريف طائلة بمن فيهم العاملين في قطاع التربية والتعليم نفسه من مدرسين وإداريين ومسؤولين اختاروا التعليم الخاص لأبنائهم على حساب الحكومي. والمعنى أن الدولة تصرف حوالي ثمانية مليارات درهم هي الميزانية السنوية المخصصة لدعم قطاع التعليم وهو رقم كبير، ولكن مع ذلك لا يستفيد منه الكثير من الطلاب المواطنين، وفي المقابل يدفع أولياء أمور هؤلاء الطلبة مئات الملايين وربما المليارات (لم أجد إحصائيات عن حجم مصروفات المواطنين في المدارس الخاصة) مقابل تعليم أبنائهم في القطاع الخاص. هذا التناقض الحاصل يدفعنا إلى التساؤل: مجانية التعليم أصبحت موجهة إلى من في هذا الوقت، طالما أن معظم المواطنين اختاروا تهجير أبنائهم من المدارس الحكومية؟ لا ننكر أن هناك مواطنين لا يستطيعون الاستغناء عن مجانية التعليم، وهؤلاء يمكن استثناؤهم وإيجاد حل لهم، لكن معظم المواطنين يقدرون، ومن باب أولى أن توجه مصروفاتهم إلى المدارس الحكومية، كما أن ميزانية التعليم الحكومي من الأفضل أن تسخر مقابل تطوير هذا القطاع بتحسين أجور المعلمين واستقطاب أفضل الكفاءات العاملة في المدارس الخاصة وتطوير أساليب التدريس بدلا من أن تضيع معظم الميزانية على الأجور. باختصار، نهج مجانية التعليم لم يعد مجدياً في ظل هروب معظم الطلاب المواطنين من التعليم الحكومي والذي يشبه البعض بمحو الأمية ، وفي المقابل هناك مليارات تصرف من قبل الحكومة وأولياء الأمور، ومن الأجدر أن يعاد توجيهها بصورة سليمة تصب في النهاية في الصالح العام. سيف الشامسي | salshamsi@admedia.ae