سئل الروائي والمؤرخ المصري يوسف زيدان عن تقييمه لوضع المنطقة العربية ومصر تحديداً، فأجاب: المنطقة العربية تمر بمرحلة تغيير مؤكدة، لكن لا أحد يستطيع أن يجزم أو يفتي حول هذا التغيير كيف سيكون وبأي اتجاه؟ انتهى كلام زيدان، وبالفعل فإن هذا ما يبدو واضحاً لمن يتتبع سير الأحداث بدقة، فتبدو له المنطقة كعربات قطار بلا كوابح وضعت على قضبان حديدية منزلقة، هكذا الوضع اليوم في مصر وتونس وليبيا وسوريا، وكأن الجميع قد فقد رشده: النظام الحاكم والمجتمع إلا من رحم ربنا، فالكل منزلق إلى نهاية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ومطلوب منا كقارئين للخريطة أو شاهدين على ما يحدث أن نقرأ التاريخ ونقبل بأسطورة تكراره، ألم تستغرق الثورة الفرنسية سنوات طويلة حتى أمكنها أن تفرز دولة ديمقراطية ومجتمعاً مستقراً وجماعات رشيدة، ألم تمر الدولة في مصر بسنوات قاتمة من الحكم السياسي الديكتاتوري وسنوات طويلة من المجاعة والقحط، ومع ذلك فلكل شيء نهاية وعلينا أن ننتظر لا أكثر!!!
في تاريخ الدولة المصرية الفرعونية القديمة بقيت مصر بلا حكومة لمدة 500 عام في فترة الانتقال السياسي من الدولة القديمة للوسطى، كما أن الدولة الفاطمية شهدت مجاعات لا توصف إلى درجة أن بعضهم كان يستدرج بعضهم الآخر ليأكله من شدة المجاعة (نقلاً عن روايات شيخ المؤرخين المصريين المعروف بتقي الدين المقريزي)، وعلى ذلك فإن كتاب التاريخ وقراءه لا يفاجئهم الحدث على ضخامته وقسوته بقدر ما يسيئهم انحراف المشهد السياسي والاجتماعي باتجاه تشويه العقل العربي وجره إلى حالة الغيبوبة التي لا تجعله يعرف طريق الخروج من مآزقه التاريخية بقدر ما تغرقه في صراعات قائمة على أوهام وتصدعات ذهنية وفكرية بائسة!
واحدة من هذه الحالات المخيفة هي ضرب علاقة الإنسان بوطنه وإنتاج علاقة بديلة استناداً إلى الدين والدين منها بريء، فاليوم ونحن نتابع المشهد المصري مثلاً ينسى الناس انتماءهم لمصر الدولة ويستحضرون انتماءهم للجماعة ، للإخوان المسلمين وللأقباط المسيحيين ولليسار ولليمين ولليبراليين والشيوعيين، وهم على استعداد لحرق الدولة من أجل الجماعة (أياً كانت هذه الجماعة)، وهنا تكمن خطورة هذه اللحظة التاريخية التي نعاصرها، والتي يبدو واضحاً غياب الرشد الجماعي فيما يخص الصالح العام!
اليوم يتم تشظي وتفتيت المجتمع إلى جماعات متناحرة متباغضة، وإشعال فتائل العداوات والثارات التي يعود بعضها لفترات تاريخية كادت أن تنسى، فمتى كان المصريون يتنابزون بصفات أنت نصراني وهذا إخواني؟ ومتى كان الانتماء للإخوان تعريفاً وطنياً أو هوية ثقافية أصلاً، أو أن الانتماء للأقباط أو المسيحيين سبة أو عاراً؟ فمن ذا الذي يستدعي العداوات ويؤججها لملء فراغات العقل بها تحقيقاً لمصالحه؟ إنهم الجهلاء وأصحاب المصالح المادية والسياسية ومزورو التاريخ والمهرجون الذين يحلون لبعضهم أن يتسلوا أحياناً بكتابة التاريخ على طريقتهم ليضحكوا على الآخرين، كما يضحك الآخرون عليهم!!
إن نجاتنا مما نحن فيه كمجتمعات وكأمة لها كل هذا البعد الحضاري العريق يعتمد أولاً وأخيراً على مدى رشدنا “أليس منكم رجل رشيد” هكذا يقول الله في محكم تنزيله الكريم!


ayya-222@hotmail.com