مصرع الشر
ينبحُ المسعورُ، وتتقرّح حناجره كلما مرت قطارات الأمل، نادماً لأن بذرة الخير تكبر في أرضها وهو بعيد في الخراب. وبعيونه التي احمرّت من شدّة الحسد، يراقب أسراب الطيور البيضاء وهي تحط في بحيرات المستقبل، فلا يملك إلا التذمر من مشاهدة الجمال، وفي قلبه الذي تصحّر وجفّت عروقه وتغذت بالكراهية، تشتعل رغبة الانتقام من الحب، فتراه يذهب لإشعال الفتن بين المتحابين، يرمي جمرة الخبث في الأرض الطيبة ويروي نارها بالكلام المر؛ لكنه لا يزرع سوى الحصى، ولا يجني سوى العصا؛ وتظل القطارات تمضي إلى أن يتلاشى نبحُه في غبار السنين.
ينبحُ الشيطان، وتزبدٌ أفواهه ممتعضا في مواعظ الشر. يحث الجهلاء على النبش في البركان لعل الحرائق تمتد للدنيا، لعل العالم يصبح عتمة في الدخان. وبلسانه الذي تلوّث بالأحقاد، يخطب في الساهين قاذفا في آذانهم الصمّاء فتاوي الظلام والتنكّر للأمل، لكنه لا يزرع فيهم سوى الغفلة، ولا يجني معهم سوى العزلة. وتظل أغنية السلام تصدح في مدى الدنيا، لا يعكرها نشاز المتآمرين على الوردة. والأفاعي، مهما تعالى فحيحها في الجحور، لا يسمعها أحد.
ينبحُ الباطل، وتتشقق أياديه وهو يضرب في جدار الحقيقة يريد أن يهدم حصنها ويدكّ معناها ويلغيه. لكن الواهن، وإن ظل الدهر كله يحفر في الأرض الصلبة، لا تثبت له راية، ولا يستقيم له رأي. وتظل بيارق العزّ هي التي تخفق في وضوح نهارها، وهي التي ترفرف مرفوعة بسواعد من ادركوا أن القوة تنبع من الحب، وأن القلوب إذا اتحد أصحابها على المحبة، تصير الأرض تحت أقدامهم جنة وحصناً، ويظل معمارها يعلو مطاولاً السحاب. ولا يهم بعد ذلك لو احتشدت الأقزام تحت أسوار مِنعتها. فهؤلاء تجرفهم سيول الزمن، وهم إلى الرماد لا محالة.
ينبحُ الشر، يخرج من أفواه المرائين على شكل نار، ويظل يتلوّن في المراوغات حتى يظنه المتوهمون صدقا. ثم يأتي الدجّالون من حظائر الغيّ ومن زرائب الأحقاد، يوزعون الأمواس في الأيادي الممدودة بالدعاء فيجرحون الأمنيات وينحرون الشوق. ثم يقف المنافق على منبر الشوك منادياً بقتل الوردة حتى لا يفوح نسيمها. لكن الشر، أينما مدّ لسانه، يُقطع باليد الممدودة للخير والمصافحة. والدجال، وإن رقص على طبول النميمة مستخفاً بالصدق، سوف يسقط في فراغها وسيدوم صمته، ويلتفّ حبل الكيد على رقبته ويشلّ فعلته وخزيه ويُنهيه.
يتكاثر النبّاحون كلما عبرت قوافل السائرين إلى معانقة الشمس. ومن يمشي باتجاه النور، لا يكترث لخربشات الخفافيش ولا حشرجاتها وهي أسيرة في ظلمة الكهوف. والقلوب التي أخلصت في محبتها للأرض، لا ترى في نهاية الطريق سوى بداية جديدة، وميلاد فجرٍ جديد. أما القلوب المخنوقة في مرارة جهلها، فلا تعرف سوى الدوران في الضيق، ولا يُتقن أصحابها سوى حياكة المكيدة والوقوع فيها.
الحبُّ شوكة في قلب الشيطان
وفي عناقنا، مقتلهُ
akhozam@yahoo.com