بعد هذه المناقشات المستفيضة حول مقترح الوثيقة وضرورة ضبط صياغاته ومصطلحاته، طلبت من الحضور تشكيل مجموعة عمل لوضع الصيغة النهائية، فرفضوا ذلك وأصروا على أن أقوم بهذا العمل، فتم وضع النص النهائي الذي أقروه بالشكل التالي: «بيان الأزهر والمثقفين حول مستقبل مصر» بمبادرة كريمة من الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، اجتمعت كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية، مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر الشريف، وتدارسوا خلال اجتماعات عدة مقتضيات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وأهميتها في توجيه مستقبل مصر نحو غاياته النبيلة، وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية. وقد توافق المجتمعون على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مبادئ كلية وقواعد شاملة، تناقشها قوى المجتمع المصري وتستبصر في سيرها بالخطى الرشيدة، لتصل في النهاية إلى الأطر الحاكمة لقواعد المجتمع ونهجه السليم. واعترافاً من الجميع بدور الأزهر القيادي في بلورة الفكر الإسلامي الوسطي السديد، فإن المجتمعين يؤكدون أهميته واعتباره المنارة الهادية التي يستضاء بها ويحتكم إليها، في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي انتهاجها، ارتكازاً على خبرته المتراكمة، وتاريخه العلمي والثقافي الذي ارتكز على الأبعاد التالية: 1- البعد الفقهي في إحياء علوم الدين وتجديدها، طبقاً لمذهب أهل السنة والجماعة الذي يجمع بين العقل والنقل، ويكشف عن قواعد التأويل المرعية للنصوص الشرعية. 2- البعد التاريخي لدور الأزهر المجيد في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية والاستقلال. 3- البعد الحضاري لإحياء مختلف العلوم الطبيعية والآداب والفنون بتنوعاتها الخصبة. 4- البعد العملي في قيادة حركة المجتمع وتشكيل قادة الرأي في الحياة المصرية. 5- البعد الجامع للعلم والريادة، والنهضة والثقافة في الوطن العربي والعالم الإسلامي. وقد حرص المجتمعون على أن يستلهموا في مناقشاتهم روح تراث أعلام الفكر والنهضة والتقدم والإصلاح في الأزهر الشريف، ابتداء من شيخ الإسلام الشيخ حسن العطّار وتلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوي، إلى الإمام محمد عبده وتلاميذه والأئمة المجتهدين من علمائه من أمثال المراغي ومحمد عبدالله دراز، ومصطفى عبد الرازق وشلتوت وغيرهم من شيوخ الإسلام وعلمائه إلى يوم الناس هذا، كما استلهموا في الوقت نفسه إنجازات كبار المثقفين المصريين ممن شاركوا في التطور المعرفي والإنساني، وأسهموا في تشكيل العقل المصري والعربي الحديث في نهضته المتجددة، من رجال الفلسفة والقانون، والأدب والفنون، وغيرها من المعارف التي صاغت الفكر والوجدان والوعي العام، اجتهدوا في وضع كل ذلك وركزوا في تأسيس القواسم المشتركة بينهم جميعاً. تلك القواسم التي تهدف إلى الغاية السامية التي يرتضيها الجميع من عقلاء الأمة وحكمائها. (للحديث بقيّة)